إسرائيل والجغرافيا السياسية السورية

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

 

منذ قيام الحكم الانتقالي في سورية، اشتدت وتيرة التجاذبات الإقليمية والدولية حول البلاد، مما يُنذر بفصل جديد من التوتر في المنطقة. كان سقوط حكم الأسد إعلانًا بانقضاء حقبة النفوذ الإيراني في سورية، والذي ورثته تركيا، التي تقف مع الدول العربية على أرضية مشتركة، تم تأسيسها بعد إعلان العقبة، وما تلاه من تفاهمات لاحقة. أما إسرائيل، فإنها اتخذت نهجًا عدائيًا مباشرًا تجاه سورية الجديدة، وهذا يتعارض ومصالح الأطراف السورية - العربية - التركية التي توافقت على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض مخططات تقسيمها، وعليه، فإن إسرائيل وضعت نفسها في مواجهة مع هذه الأطراف الثلاثة.

 

كتبت في ذروة الأحداث التي أسقطت حكم الأسد، أن إسرائيل ستكسب وستخسر من ذلك في آن واحد، حيث إن سقوط الأسد يُنهي نفوذ إيران وميليشياتها في سورية، والتي كانت

تُشكل تهديدًا لإسرائيل، ولكن سقوطه في الوقت نفسه، يفتح الباب أمام تحديات جديدة بالنسبة لها، وستكون مجبرة على التعامل مع الكثير من المتغيرات في الملف السوري، وبالتالي فإن توغلها العسكري في جنوب سورية، تهدف من خلاله إلى خلق بيئة أمنية جديدة تحقق مصالحها الاستراتيجية، عن طريق بناء علاقات متقدمة مع بعض المكونات الوطنية السورية، لاستخدامها كأداة لابتزاز الإدارة الانتقالية السورية وإجبارها على تقديم تنازلات تضمن عدم تحول سورية إلى "جبهة" مستقبلية في المفهوم النظري الإسرائيلي.

 

تدرك إسرائيل، أن توغلها العسكري في الجنوب السوري ليس شرعيًا، ولذلك، فإنها تعمل على إيجاد غطاء شرعي يبرر ذلك، فهي تصر على ترويج مزاعمها بحماية الأقليات، بخاصة الدروز التي تزعم استعدادها للدفاع عنهم ضد أي اعتداء يتعرضون له.

 

بالطبع، لا يمكن الاعتماد على الإدارة الانتقالية السورية لمنع إسرائيل من ترجمة تصوراتها لما يجب أن تقبل به سورية الجديدة، والذي يشتمل على تسليمها بقضم أجزاء من أراضيها، وتوقيع اتفاقات سياسية - أمنية تمنح إسرائيل أفضلية استراتيجية، ونفوذًا واسعًا، وبالتالي، لا بد من بلورة مشروع عربي - تركي يوقف اندفاع إسرائيل لتغيير الوضع في سورية بالقوة، وهو ما يجب التصدي له بشكل عاجل.

 

أخيرًا، إن المناطق الجنوبية السورية تمثل عمقًا اجتماعيًا واقتصاديًا بالنسبة للأردن، لأسباب عديدة، وبالتالي، فإن أي عبث إسرائيلي في هذه المناطق، سيؤدي بالضرورة، للتأثير على المصالح الأردنية، وسيفاقم الأوضاع الإقليمية.