رمضان قديمًا.. أرواح تتوق لعبق وأصالة الماضي

نبض البلد -

الزعبي: أفراد العائلة كانوا يتعاونون لتوفير وجبة إفطار شهية

الحوري: كل عائلة كانت تخصص طبق طعام لإرساله إلى الجيران

 

الأنباط - فرح موسى

 

استذكار طقوس رمضان قديمًا من الأحاديث الشيقة، والممتعة، حيث تذكر الأجيال الحديثة كيف كان الآباء والأجداد يعيشون ضمن مجتمع متكافل، ومتضامن، ومتعاون كل شخص يؤدي دوره المناط به تلقائيًا لخدمة مجتمعه الصغير، وأسرته، خلال الشهر الفضيل، ويمكن أيضًا خلال الأيام العادية كان هناك تكافل اجتماعي يعتمد على المشاركة، وعلى تنفيذ ما جاء في ديننا الحنيف.

تفاصيل كثيرة فقدت من الأجواء الرمضانية، ابتداءً من مدفع الإفطار، مرورًا بنوعية وشكل ونكهة الأطعمة، وليس انتهاء بعدد المتواجدين على مائدة الإفطار.

الباحث في التراث الشعبي الأردني الدكتور أحمد شريف الزعبي، تحدث لـ"الأنباط" حول هذا الأمر، وقال: كان استعداد الأسرة الأردنية لشهر رمضان المبارك يتمثل في توفير الاحتياجات الضرورية من المواد الغذائية، إذ يقومون بتجفيف البامياء، والبندورة، والكوسا، وكذلك عمل المربّى من التين والعنب والمشمش.

وأضاف الزعبي أن الأسرة كانت تجتمع عند الإفطار وعند السحور، كما يتعاونون في توفير وجبة إفطارٍ شهية، خاصة إذا حضرت الديوك البلدية وتم عمل صواني المحمر بالزيت الكفاري، أو بالسمنة البلدية، وتحرص المرأة أن يكون الخبز البلدي الطازج متوفرًا.

أما الصغار فمن أجل تدريبهم فإنهم يصومون للظهر أو العصر، ويحسبونه نصف يوم، وآخر الشهر فيكون قد صاموا حسب رأيهم نصف الشهر.

أما الآن فقد أصبح معظم الأسر تعتمد على الطعام الجاهز فتكاد تكون مائدة رمضان مبتاعة من الأسواق بالكامل، فلا ديوك بلدية، ولا خبز طابون، ولا برغل، أو عدس، أو كشك بندورة، أو كوسا، فالبندورة متوفرة بكل فصول السنة عند الخضرجي، وكذلك البقوليات عند السمان، بحسب الزعبي.

وتحدث الزعبي عن جمال تلك الأيام قائلًا "عندما كنا نخرج ننتظر المؤذن ليرفع آذان المغرب، ونعود إلى أهلنا نخبرهم أن الإفطار قد حان أوانه، أما الآن فالإذاعة والتلفزيون يتكفلان بذلك، كما أن المسحر كان يتعهد بإيقاظ الناس وقت السحور، لكن الخلويات اليوم توقظ الناس على الوقت الذي يريدونه، ولا ننسى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أخذت من أوقات الناس الشيئ الكثير، بينما كانت قراءة القرآن الكريم أكثر في زمن الناس الطيبين".

من جهته، قال مدير الدائرة الثقافية في بلدية إربد الكبرى والعلاقات العامه سابقًا إسماعيل فهد الحوري إن الإفطار الجماعي برمضان في القرى كان في ديوان العشيرة (المضافة) ملتقى لكافة أبناء القرية بمختلف المناسبات الاجتماعية، والسهرات اليومية، إذ لم يكن هناك وسائل للسهرات مثل اليوم بالتلفزيون وسواه، وأكثر ما كان هو تبادل الأحاديث والقصص، إلى أن جاء الراديو.

ومن هذه المناسبات شهر رمضان المبارك فقد كان يعقد إفطار جماعي لكبار السن، وكل رب أسرة يحضر طبقًا من طعام بيته إلى المضافة، ويتناولوا الإفطار مع بعضهم البعض ومن ثم تقام صلاة المغرب والتراويح، إذ لم يكن هناك الكثير من المساجد، ودور الأطفال بعد الإفطار يتمثل بنقل الأطباق الفارغة.

وحول طابون القرية (الفرن)، قال "تتجمع كل نساء الحارة من أجل إعداد الخبز الطازج من القمح البلدي، وحسب الدور وعلى الجميع إنهاء الخبز قبل موعد الإفطار، ويتكرر المشهد بفترة السحور، وكان الفرن كذلك يجهز لإعداد الطهي خاصة الصواني، وكان تجهيز الفرن للاستقبال دوريًا لكل ربة أسرة بإحضار الحطب".

وأضاف الحوري أن أطفال الحارة كانوا يجتمعون بالقرب من المسجد حتى يسمعون الأذان ومن ثم الجري لإبلاغ ذويهم بالإفطار لأنه لم يكن هناك مكبرات صوت، وكل طفل معه قطعة حلوى، أو حبة بسكوت يتناولها مع سماع الأذان، ثم ينطلق مسرعًا إلى أهله.

وبالنسبة للتكافل الاجتماعي قال الحوري، لم يكن أحد يشعر بالجوع، حيث كانت كل عائلة تقوم بتخصيص طبق من الطعام لإرساله إلى الجيران، وبالتالي يتشارك الجميع وهذا نوع من التضامن الاجتماعي أصبحنا نفتقده هذه الأيام، بحسب الحوري.