نبض البلد -
حاتم النعيمات
فهم العدو جزء من صراعك معه، لذلك سأحاول تتبع وتفنيد سلوك اليمين الإسرائيلي الذي يبدو أن حكمه سيطول كنتيجة لما حدث بعد السابع من أكتوبر. وسأخصص هذا المقال لدراسة سلوك نتنياهو كواحد من أهم قادة إسرائيل وأقواهم (من وجهة نظر جمهوره داخل كيان الاحتلال)، وبصفته المسؤول عن الجرائم والتغييرات الأمنية والعسكرية الكبيرة التي حدثت مؤخرًا.
يستخدم نتنياهو خلال تفاعله مع ما يسميها "الجبهات” سياسة حافة الهاوية بشكل متكرر، وهذه السياسة تعني أن يتم نقل المفاوضات من مستوى "الحوار" حول تبادل المكاسب إلى مستوى "الصِّدام الوشيك"، وذلك بطبيعة الحال للضغط على الطرف الأضعف. وتحتاج هذه السياسة إلى أن يؤسس الطرف الذي يستخدمها (أتحدث عن نتنياهو هنا) سجلًا جيدًا من التهديدات التي تم تنفيذها- وهذا ما فعله منذ البداية للأسف- وذلك لخلق موثوقية عالية بالصرامة والجدية ولترك انطباعًا لدى الطرف الآخر بأنه يفعل ما يقول دائمًا.
خلال المفاوضات مع حماس، لعب نتنياهو كثيرًا بهذه السياسة، بل وأضاف إليها عامل الوقت؛ فالوقت يشكل ضاغطًا قويًا عند الوقوف على حافة الهاوية. ونحن الآن نتابع فصلًا من فصول هذه السياسة، حيث توقفت المفاوضات وبدأت الحشود العسكرية لجيش الاحتلال بالتجمع في محيط قطاع غزة، وارتفعت التهديدات، واتُّخذ قرار بمنع دخول المساعدات، ومع ذلك فالمتوقع ألا يتم استئناف الحرب، لأن خمسة عشر شهرًا من العدوان لم تترك شيئًا ليكون هدفًا لحرب جديدة.
الوسيط المصري في المفاوضات يفهم أسلوب نتنياهو جيدًا، وهو لا يكترث له كثيرًا بالمناسبة، لذلك فهو مستمر في خطة إعادة الإعمار (دون تهجير) وبدأ الحديث جديًا عن مرحلة ما بعد انتهاء الحرب (الهدنة مرحلة من مراحل الحرب)، وهذا مؤشر آخر على أن نتنياهو يستخدم سياسة حافة الهاوية.
الأسلوب السياسي الآخر الذي استخدمه نتنياهو منذ بداية العدوان على غزة والضفة الغربية تمثل في تضخيم الخصم، حيث تمكن من تدمير معظم القطاع وجزء من الضفة الغربية بإشعار العالم أن هناك جيوشًا جرارة تحاربه في المنطقتين! وهنا لم يعتمد نتنياهو على البروباغندا الإسرائيلية فحسب، بل اعتمد أيضًا على العقلية العربية المنفعلة التي تؤمن بالفرد البطل الخارق الذي يستطيع حل جميع المشاكل ومواجهة العالم لوحده، وقد عزز ذلك دور الإعلام العربي في تضخيم المشهد وتصوير الكتائب البدائية التي كانت تواجه إسرائيل على أنها قوى نووية.
بالإضافة إلى هذا كله، تستخدم إسرائيل (بعد السابع من أكتوبر بالذات) الذريعة الأمنية بكفاءة عالية للأسف، فإسرائيل تسوق نفسها كدولة لم يحْمِها المجتمع الدولي من حماس، بالتالي فمن حقها التصرف خارج نطاق قوانين وأعراف هذا المجتمع، ويظهر ذلك جليًا في تدخلاتها في سوريا. ولكي أثبت كلامي، فنحن نعلم أن إسرائيل تحملت وجود حزب الله وحماس وبقية الميليشيات الإيرانية منذ 2006 لغاية 2024 دون أن تتصرف بهذه الطريقة العنجهية، واليوم، وبعد أن ألحقت (بدعم أمريكا) ضررًا كبيرًا بما يسمى "محور المقاومة”، تتصرف بطريقة عدائية، مع أن المنطق يقول إنها يجب أن تتراجع بعد ما تحقق.
العالم يتجه نحو اليمين بشكل واضح، وعلينا أن نستعد على المدى البعيد لمواجهة هذا اليمين. وأعتقد أن القيادة الأردنية تدرك هذا التغير وتضع الخطط لإدارة ما هو قادم، لكن الأهم في المعادلة هو أن يتعلم الأردني مما حدث، والمنشود هو أن نؤمن بالعمل المؤسسي المدعوم بالعلم لإدارة هذا المستقبل المليء بالاحتمالات، والبناء (شعبيًا) على ما رأيناه من براعة وبسالة في تعامل جلالة الملك مع قائد اليمين العالمي ورئيس أقوى قوة في العالم في البيت الأبيض.