نبض البلد -
《 بقلم الدكتور محمد طه العطيوي 》
في لحظة تاريخية حرجة تتجاذب فيها القوى الإقليمية والدولية مآلات القضية الفلسطينية، خرج الملك عبدالله الثاني بموقف لا يقبل التأويل، رافضًا بشكل قاطع كل محاولات تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، وضم الأراضي، ووأد حل الدولتين. هذه المواقف الحاسمة لا تأتي في سياق عابر، بل تعكس ثوابت الدولة الأردنية، التي كانت وستظل السند الحقيقي للشعب الفلسطيني في صموده على أرضه.
بين الثوابت الأردنية والضغوط الدولية
لطالما شكل الأردن حائط صدّ في وجه المشاريع المشبوهة التي تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها، وإعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافيا بما يخدم أجندات الاحتلال الإسرائيلي. اليوم، في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، لا يكتفي الملك عبدالله الثاني بالإدانة الدبلوماسية، بل يطالب بجهد إقليمي ودولي فاعل لوضع حدّ لهذا العبث الذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن رفض الأردن القاطع لسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل في غزة، ومنعها دخول المساعدات الإنسانية، ليس مجرد موقف سياسي، بل هو التزام أخلاقي وإنساني يعبر عن عمق الهوية الأردنية في نصرة القضايا العادلة. فالقدس، بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ليست مجرد عنوان سياسي للأردن، بل هي مسؤولية تاريخية تتجذر في الوصاية الهاشمية التي حملها الملوك الهاشميون جيلاً بعد جيل.
رسالة إلى من يعنيهم الأمر
القضية الفلسطينية ليست شأناً داخلياً للفلسطينيين وحدهم، بل هي اختبار حقيقي لمصداقية النظام الدولي وقدرته على فرض الحلول العادلة. لقد حان الوقت لتحرك عربي موحد، مدعوم بضغط دولي، لكبح جماح الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على احترام القوانين الدولية.
إن الأردن، وهو يعلن عن دعمه لخطة إعادة إعمار غزة، لا يقدم مجرد تعهدات شكلية، بل يضع لبنة أساسية في بناء مشروع حقيقي لاستعادة الحياة في القطاع المنكوب. ولكن، في ظل المحاولات الإسرائيلية لفرض واقع جديد، يصبح السؤال الملح: هل سيكون هناك إرادة عربية ودولية حقيقية لإنجاح هذه الخطة، أم أن غزة ستظل رهينة التوازنات السياسية والمصالح الضيقة؟
رهانات المستقبل: الأردن في قلب المعادلة
ما يطرحه الملك عبدالله الثاني من ضرورة إعداد تصور واضح لإدارة غزة وربطها بالضفة الغربية ليس مجرد فكرة سياسية، بل هو محاولة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة مشاريع التقسيم والتفكيك. إذا لم يتم التصدي لهذه المحاولات بحزم، فإن الاحتلال الإسرائيلي سيمضي في فرض وقائع جديدة تهدف إلى إنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
اليوم، يقف الأردن في الصف الأول، مدافعًا عن حقوق الفلسطينيين، ومجسدًا دوره التاريخي كدولة ذات رسالة قومية وإنسانية. ولكن، على الدول العربية أن تدرك أن دعم هذا الموقف ليس خيارًا، بل واجبًا سياسيًا وأخلاقيًا لا يمكن التنصل منه.
الأردن… صوت الضمير العربي
في عالم تحكمه المصالح، يظل الأردن نموذجًا لدولة تضع المبادئ فوق الحسابات الضيقة. وفي ظل القمة العربية غير العادية، التي عقدت في القاهرة تحت عنوان "قمة فلسطين"، تبرز رسالة الأردن كجرس إنذار: لن يكون هناك أمن أو استقرار في المنطقة إذا استمر الاحتلال في انتهاج سياسات التهجير والعدوان.
لقد قالها الملك بوضوح: "لا سلام بالقوة، ولا استقرار بإنكار الحقوق."
فهل يسمع العالم هذا الصوت؟