حقوق الإنسان.. غزة تكشف ازدواجية المعايير الدولية والوجه القبيح لواشنطن

نبض البلد -
د. قمحاوي: المجتمع الصهيوني "لمم" ومتوحش في اصوله وعنصري

العشا: السياسة الأمريكية تحكمها المصالح

الدعجة: ازدواجية معايير واشنطن تُضعف نزاهتها الدولية

المومني: غزة كشفت انفصام السياسة الأمريكية تجاه المرأة والطفل

عصفور: الولايات المتحدة تكيل بمكيالين بقضايا حقوق الإنسان

الأنباط- الاف تيسير

مثل عدوان الكيان المحتل على غزة مرحلة مفصلية في تاريخ حقوق الإنسان، حيث برزت ازدواجية المعايير لدى الكثير من الدول حيال هذا الملف، في حين برزت دول أخرى متمسكة بمبادئ ثابتة لهذه الحقوق بعيدًا عن العرق والدين.
وكانت أمريكا على رأس الدول التي برزت ازدواجية معاييرها تجاه حقوق الإنسان مع بدء الحرب على غزة، إذ ساندت الموقف الهمجي للكيان المحتل وساهمت بسلب الفلسطينيين حقوقهم الأساسية.
من دعوات وزراء في حكومة الكيان المحتل "لمعاملة الفلسطينيين على أنهم حيوانات"، مع بدء العدوان على غزة، إلى دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الغزيين خارج فلسطين بعد 470 يومًا من الحرب، تتجلى مراحل كثيرة من المواقف المشرفة الرافضة لهذا التطرف والتجرد من الإنسانية، حيث رفضت الكثير من الدول هذه المواقف الشاذة، في حين لاقت دعمًا من قلة يتشدقون بحقوق الإنسان داخل حدود دولهم.

ويرى الباحث والمفكر السياسي الدكتور لبيب قمحاوي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية سابقًا أن أميركا تنظر للمسألة على قاعدة "كل ما هو جيد "لإسرائيل" هو بالضرورة جيد للجميع وكل ما هو سيء "لإسرائيل" هو سيء للجميع".
وقال لـ"الأنباط" إن المجتمع "الإسرائيلي" باعتباره مجتمع لمم متوحش في أصوله، لأنه عبارة عن مجتمع قادم من دول وبيئات مختلفة، ولا تجمعه أي وحدة حضارية، يُظهر تجاهلًا صارخًا لحقوق الإنسان، حيث يحترم حقوق الأطفال والنساء "الإسرائيليين" فقط بينما تهمل باقي الحقوق وتعتبر لا قيمة لها.
ولفت إلى أن هذا المجتمع يعتبر عنصريًا من الدرجة الأولى، مستشهدًا بالتعاليم الدينية في "التلمود" التي تضع قيمة أقل للدم غير اليهودي.


وأوضح قمحاوي أن النظرة "الإسرائيلية" لا تنفصل عن الأمريكية، حيث تعتبر السياسات الأمريكية داعمة "لإسرائيل"، ما يؤدي إلى التعامل بانتقائية شديدة مع قضايا حقوق الإنسان، قائلًا: "كل ماهو غالٍ على المجتمع الأمريكي غالٍ على المجتمع "الإسرائيلي".
وفي هذا السياق، نبه قمحاوي إلى الموقف الذي يتسم بالتوحش للتعامل مع المجتمع الفلسطيني بـاعتباره في المفهوم "الإسرائيلي" مجتمع غير إنساني ولا يستحق أيًا من الحقوق الإنسانية.
وفيما يخص العدوان على غزة، وصف قمحاوي، غياب العديد من المنظمات الدولية، مبينًا أن العدوان على غزة عدوان سياسي وعسكري ويستخدم أدوات متوحشة مثل الطائرات والصواريخ والقنابل ما أدى لاستشهاد أكثر من 50 ألفًا من الفلسطينيين وتدمير 92% من البنية التحتية لقطاع غزة، مشيرًا إلى أن هذا العدوان تم بإرادة غربية بشكل أساسي وإرادة أمريكية بالمستوى الأول. كما استعرض قمحاوي أنواع المنظمات مميزًا بين تلك التي تخلو من نفوذ الجبروت الأمريكي والغربي والتي تستطيع احترام مبادئها ورسالتها، وتلك التي أصبحت خاضعة تمامًا للنفوذ والجبروت الأمريكي والغربي ولا تستطيع أن تتجاوز رغباتها، وبالتالي تعجز عن تنفيذ مهامها بفاعلية، مستشهدًا بوكالة الغوث الدولية، التي رفضت الانصياع لأي مطلب "إسرائيلي" أو أمريكي فـتعرضت للهجوم ما أدى إلى تدميرها واستهداف عدد كبير من موظفيها، ما يؤكد على أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي والإنساني.
في ختام حديثه، لخص الدكتور قمحاوي بأن ما يشهده العالم من انتقائية في حماية حقوق الإنسان هو انعكاس لواقع مؤلم، يستدعي إعادة النظر في دور المنظمات الدولية وتشجيعها على أداء مهامها بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية والغربية.

جوهر واحد وتلاعب بالمبادئ
 
من جهتها، قالت المحامية ورئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني، إنعام العشا إن العدوان على غزة، والانسحابات التي شهدتها الولايات المتحدة من المنظمات الدولية والاتفاقيات الدولية، وضع العالم في حالة شك بشأن مدى مصداقية التزام واشنطن بالديمقراطية وإيمانها بحقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة هما وجهان لعملة واحدة، مؤكدة أن السياسة الأمريكية تحكمها المصالح قبل أي اعتبارات أخرى. وظهر ذلك بوضوح في الأيام الأولى من تسلم ترامب لمنصبه، حين انسحب من عدة اتفاقيات دولية مثل اتفاقية المناخ واتفاقيات أخرى ارتبطت مباشرة بمبادئ حقوق الإنسان.
وترى العشا أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق النهج الأمريكي، يتم التعامل معهما بما يتفق مع المصالح والتوجهات الخاصة، وما لا يخدم هذه المصالح يصبح محل تشكيك أو تراجع.
وأضافت أن من يدافع عن حقوق الإنسان دون أن يكون ذلك في صالح الولايات المتحدة يواجه العراقيل، مشددة على ضرورة التمسك بمنظومة حقوق الإنسان، لأنها السبيل للخلاص من الظلم والحروب والنزاعات، ولتعزيز الديمقراطية الحقيقية التي تحترم رأي الجميع.

وفيما يتعلق بالعدوان على غزة، لفتت العشا إلى أن العديد من الجامعات الأمريكية شهدت نشاطات طلابية داعمة للقضية الفلسطينية، إلى جانب تحركات موظفين شرفاء أمضوا أشهرًا في المشاركة بهذه النشاطات لإيصال أصواتهم للمطالبة بوقف العدوان.
وأكدت أن جوهر الإنسان النبيل واحد، بغض الطرف عن كونه أمريكيًا أو إفريقيًا، مسلم أو مسيحي أو غيره، لكن هناك من يتلاعب بالمبادئ ويتبنى مواقف متناقضة.
وشددت العشا على أهمية تطبيق قوانين منظمات حقوق الإنسان والالتزام بالاتفاقيات الدولية، مؤكدة ضرورة استخدامها في المحاكمات الدولية. وعلقت على قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي يدين "نتنياهو وعصابته"، منبهةً على ضرورة المضي في محاسبته وفق القوانين الدولية.
واختُتمت العِشا بذكر رجلين من أنبل رجال العالم، هما "أنطونيو غوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة، و"كريم خان" المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يواجه خان ضغوطًا كبيرة مشابهة لتلك التي حدثت في أفغانستان، بسبب تحقيقاته في جرائم الحرب في قطاع غزة، ومطالباتهِ باعتقال رئيس الوزراء "الإسرائيلي نتنياهو"، ووزير الدفاع السابق "يوآف غالانت".
ويتمثل موقفي غوتيريش وخان الواضح في رفض الظلم والوقوف في وجه سيل الدماء المستمر.

الكيل بمكيالين

إلى ذلك، قال البروفيسور حسن عبدالله الدعجة، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال إن الولايات المتحدة تُظهر ازدواجية واضحة في المعايير عند التعامل مع قضية فلسطين.
وأوضح الدعجة أن واشنطن تدعم خطابًا قويًا حول حقوق الإنسان وحماية المدنيين في مناطق أخرى، بينما تتغاضى عن الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الفلسطينيون، خاصة في غزة. ففي الوقت الذي تدين فيه انتهاكات حقوق الإنسان في دول أخرى، تقدم الولايات المتحدة دعمًا سياسيًا وعسكريًا غير مشروط لـ"إسرائيل"، ما يعكس "الكيل بمكيالين".
واعتبر الدعجة أن هذا التناقض دليلاً على انتقائية واشنطن في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، ما يثير تساؤلات حول نزاهة مواقفها الدولية وخلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، والذي أسفر عن سقوط العديد من النساء والأطفال، لم تتخذ الولايات المتحدة مواقف حازمة لوقف هذه الانتهاكات. بل على العكس، قدمت دعمًا سياسيًا وعسكريًا لإسرائيل، ما أثار انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية، حيث يُنظر إليه على أنه تناقض صارخ مع الخطاب الأمريكي حول حماية حقوق المرأة والطفل.
وأشار الدعجة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي عدة مرات ضد قرارات تدين الانتهاكات "الإسرائيلية" في فلسطين، بما في ذلك تلك التي تؤثر على النساء والأطفال، موضحًا أن هذا الاستخدام المتكرر للفيتو يُعتبر إعاقةً لجهود المجتمع الدولي في حماية المدنيين، ما يضعف مصداقية الولايات المتحدة في الدفاع عن حقوق الإنسان.

وفيما يتعلق بالعدوان على غزة، لاحظ العديد من المراقبين غيابًا واضحًا أو ضعفًا في حضور وفعالية العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، يعود ذلك إلى ضغوط سياسية من قبل دول ذات نفوذ، إضافة القيود الأمنية المفروضة على حركة المراقبين والحصار المستمر على غزة.
وأكد فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها في مجال حقوق المرأة والطفل وغياب المنظمات الدولية في العدوان على غزة، كما أن هذه الأوضاع تدفع إلى إعادة النظر في دور المجتمع الدولي وضرورة وجود آليات أكثر فعالية لحماية المدنيين، خاصة في مناطق الصراع مثل فلسطين.

انفصام الشخصية الأمريكية
وفي السياق، أكد الأستاذ الدكتور مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حسن المومني أن حقوق المرأة والطفل مصانة في الدستور الأمريكي مقارنًة بدول أخرى، مؤكدًا أن المنظمات والمؤسسات حققت الكثير من الإنجازات في مجال المشاركة السياسية للمرأة و الاهتمام بـ حقوق الطفل في مجال الرعاية.
ولفت المومني إلى أن مسألة حقوق الإنسان بشكل عام تختلف من إدارة إلى أخرى، مضيفًا أن الاختلافات الاجتماعية والعرقية والإثنية تنعكس سلبًا على مسألة حقوق المرأة والطفل، والسبب يعود إلى المجتمع الأمريكي المتعدد، وقد يختلف من حيث الممارسة والمؤسسات معرجًا على أن حقوق المرأة والطفل في أمريكا أفضل بكثير مقارنة بالبلدان الأخرى.
وبين أن أكبر مثال صارخ على ازدواجية المعايير ما حدث في غزة وعندما يتعلق الأمر في القضية الفلسطينية، كما أن ما حصل في غزة كشف مدى هذه الازدواجية، وعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر في المسألة الفلسطينية من قتل وتشريد، يظهر "انفصام الشخصية الأمريكية"، معرجًا على اقتراح ترامب في شباط الماضي لنقل الفلسطينيين وتهجيرهم من غزة، خاتمًا أن الشعب الفلسطيني لطالما تجرع معاناة ازدواجية المعايير بما يخص حقوق الإنسان على مر العقود وبالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترقى إلى قيمها وأخلاقها عندما يتعلق الأمر بالقضية.

لأول مرة في التاريخ يُسمع أن القضاء يُعاقب
من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة الرأي الأسبق، الزميل مجيد عصفور، إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن يومًا إلى جانب حقوق المرأة وحقوق الطفل والإنسان بشكل عام، إذ أنها تعتمد دائمًا على الدعاية المضللة.
وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم إدعائها الدفاع عن حقوق المرأة والإنسان، فإنها تعاقب الدول التي تتجاوز هذه الحقوق، لكنها في الوقت ذاته تكيل بمكيالين، حيث تغض الطرف عن ممارسات وتجاوزات الدول الحليفة لها والتي تربطها بها مصالح مشتركة.
وأضاف عصفور أن طبيعة السياسية الأمريكية متقلبة، حيث لا يوجد هنا عداء دائم أو صداقة دائمة.
وفيما يتعلق بالأوضاع في غزة، أشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي" يمارس أعلى درجات اللاأخلاقية، فهو جيش انتشاري وجيش لصوص، ومع ذلك تغض الولايات المتحدة الأمريكية النظر عن تصرفاته، بل وتدعمه بكل أنواعه الأسلحة الفتاكة، بينما تعاقب كل دولة تسعى لمعاقبتها، كما حدث في المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت حكمًا ضد " الصهيوني نتنياهو" .
وأوضح أن الولايات المتحدة ردت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبتها، مضيفًا "أنها سلطة قضائية ولا يجوز أن تعاقب ولأول مرة في التاريخ يُسمع أن القضاء يُعاقب"، مؤكدًا أن ما يجري في غزة دليل واضح على عدم مصداقية الولايات المتحدة في ادعائها للدفاع عن حقوق الإنسان.