خلدون خالد الشقران
وسط ظروف داخلية ضاغطة وأوضاع إقليمية متقلبة، يقف الأردن اليوم أمام تحديات مركبة، تبدأ من الاقتصاد المرهق، ولا تنتهي عند حدود السياسة والإقليم الملتهب. المواطن الأردني، الذي يعيش على وقع ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، ينتظر بفارغ الصبر حلولًا ملموسة تحسن مستوى معيشته وتعيد إليه الثقة بمستقبل أكثر استقرارًا.
اقتصاد مرهق ومعيشة صعبة
الاقتصاد الأردني يواجه اختبارًا قاسيًا، مع نسب بطالة مرتفعة تتجاوز 22%، وارتفاع في معدلات الفقر، وتزايد الدين العام الذي تجاوز 114% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأرقام تعكس عمق الأزمة التي يعيشها الأردنيون، في وقت تتوالى فيه التحذيرات من موجات غلاء جديدة مع اقتراب شهر رمضان، وهو موسم استهلاكي بامتياز.
الأسواق المحلية بدأت تشهد ارتفاعات في أسعار السلع الغذائية والملابس والمواد الأساسية، وسط مخاوف المواطنين من استمرار هذه الارتفاعات خلال الشهر الفضيل. وبينما تتحدث الجهات الرسمية عن تشديد الرقابة على التجار ومنع التلاعب بالأسعار، يبقى السؤال المطروح: هل تكفي هذه الرقابة وحدها لضبط السوق، أم أن الحل الحقيقي يبدأ من معالجة أعمق للاقتصاد نفسه؟
الإصلاح السياسي.. خطوات بطيئة وثقة مفقودة
على الجانب السياسي، لا تزال مسيرة الإصلاح التي وعدت بها الحكومات المتعاقبة تواجه شكوكًا شعبية واسعة. ورغم تعديل قانون الانتخاب لدعم العمل الحزبي، وتشكيل حكومة جديدة ذات طابع تكنوقراطي، إلا أن الشارع الأردني لم يلمس حتى اللحظة تغييرات جذرية في نمط الحياة السياسية.
وهنا أرى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ عندما يشعر المواطن البسيط أن صوته يؤثر في القرار السياسي بشكل مباشر، وعندما تتوقف الحكومات عن النظر إلى المشاركة السياسية على أنها مجرد استحقاق شكلي يُنجز ضمن ملفاتها. الإصلاح السياسي يجب أن يكون حقيقيًا، صادقًا، وجريئًا، وإلا فإن فقدان الثقة سيزداد عمقًا، وستتحول المسافة بين المواطن والدولة إلى فجوة يصعب ردمها.
الشباب الذين يشكلون غالبية المجتمع الأردني، ما زالوا يشعرون بأن صوتهم خافت في معادلة صنع القرار، وأن المشاركة السياسية الفاعلة لا تزال تصطدم بعوائق بيروقراطية وثقافية. ومع استمرار المطالبات بتوسيع الحريات الإعلامية والسياسية، يبقى ملف الإصلاح السياسي أحد الملفات الساخنة التي تحتاج إلى مقاربة جريئة وشاملة.
إقليم مشتعل وحدود مشتعلة
إلى جانب التحديات الداخلية، يجد الأردن نفسه محاصرًا بتوترات إقليمية لا تهدأ. من الجنوب تأتي تداعيات التصعيد المستمر في غزة، ومن الشمال تحديات الأزمة السورية وأمن الحدود، ومن الشرق تظل التطورات في العراق تلقي بظلالها على المملكة.
السياسة الأردنية التي اعتادت انتهاج أسلوب "التوازن الحذر” تبدو اليوم أمام اختبار أعقد، حيث بات مطلوبًا منها الحفاظ على أمنها الداخلي واستقرارها الاقتصادي، مع استمرار دورها الإقليمي كلاعب محوري في ملفات السلام واللاجئين والطاقة.
الأردن إلى أين؟
التحديات التي يواجهها الأردن اليوم ليست جديدة، لكنها باتت أكثر تعقيدًا وتشابكًا. الإصلاح الاقتصادي لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لضمان استقرار المجتمع، والإصلاح السياسي لم يعد مجرد ملف داخلي، بل أصبح جزءًا من معادلة الثقة بين الدولة والشعب.
أما على صعيد الإقليم، فإن قدرة الأردن على الصمود والحفاظ على مكانته تتطلب سياسة خارجية مرنة، وإدارة داخلية رشيدة، وشراكة حقيقية بين الدولة والمواطن، قائمة على المكاشفة والشفافية.
الأردن دولة صغيرة بحجمها، لكنها كبيرة بدورها السياسي ووزنها التاريخي، وما تحتاجه اليوم هو قرارات استثنائية تواكب الظروف الاستثنائية، بعيدًا عن الحلول الترقيعية والوعود المؤجلة.