إدماج التربية الأخلاقية في المدارس.. ضرورة لبناء مجتمع أكثر ترابطًا

نبض البلد -

عبيدات: ضرورة تشكيل لجنة لوضع القيم الأخلاقية اللازمة وتوزيعها على المناهج الدراسية

المساد: التربية الأخلاقية عصب التعاملات الحياتية اليومية التي تحدد نجاح الفرد أو فشله

الأنباط - شذى حتاملة

القيم الأخلاقية هي أساس تشكيل شخصية الطلاب وتعزيز فهمهم للمعايير الاجتماعية التي ينبغي أن يتبعوها في حياتهم اليومية، ومع تزايد التحديات التي تواجه المجتمعات جيلًا بعد آخر، أمسى من الأهمية بمكان غرس هذه القيم في نفوس الطلاب بطريقة تنمي الوعي الأخلاقي وتزيد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ.

التطورات والتغيرات المجتمعية التي نعيشها تفرض تبني المناهج الدراسية لقيم أخلاقية، حيث تعد التربية الأخلاقية الأساس لبناء وتكوين شخصية الطالب التي ينطلق منها في حياته المستقبلية، ومن هنا تبرز أهمية تركيز الأنظمة التعليمية على أهمية إدخال الأخلاق والقيم الإنسانية في المدارس بعدة أساليب وطرق حيث يظل دور التعليم في تشكيل شخصية الأفراد وتأهيلهم للمستقبل أمرًا حيويًا، فالأخلاق ليست مجرد مفاهيم نظرية بل هي سلوكيات يجب أن يتبناها الطلبة في جميع جوانب حياتهم سواء في البيئة الصفية أو في المجتمع وذلك عبر دمج هذه القيم في مختلف المواد الدراسية وذلك لبناء جيلٍ واعٍ قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

وقال الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات إن هناك ثلاثة أنواع من الأخلاق، ومنها الأخلاق الحقيقية، الأخلاق الدينية، والأخلاق القانونية، فالأخلاق القانونية تنظمها القوانين، بينما الأخلاق الحقيقية تتمثل في النزاهة، الحيادية، تحمل المسؤولية، العدالة والمساواة، موضحًا أنه يجب تعليم الأخلاق في المدارس بشكل مستمر، ودمجها في كافة المواد الدراسية، على سبيل المثال، في مادة الرياضيات، يتطلب من الطالب الدقة والالتزام بالوقت والبحث عن الإجابة الصحيحة، بينما في مادة العلوم، يجب أن يتحلى الطالب بالأخلاق المتعلقة بالموضوعية وعدم التحيز للظواهر الطبيعية، ولذلك، يجب تحديد المفاهيم الأخلاقية المتعلقة باحترام الوقت، الدقة، حقوق الآخرين، النزاهة وعدم التعصب، وتوزيعها على جميع المواد الدراسية.

وأشار عبيدات إلى إمكانية إدخال الأخلاق في المناهج الدراسية باستخدام أساليب معينة، مثل تقديم نماذج أخلاقية عبر المعلم، الذي يجب أن يحترم الطالب ووقت الطالب ويتعامل معه بعدل وبدون تحيز، مضيفًا أنه يمكن استخدام أسلوب النمذجة من خلال تقديم سلوكيات إيجابية من المعلمين والإدارة، مثل الالتزام بالقوانين، المحافظة على نظافة البيئة، وعدم التحيز، داعيًا إلى تشكيل لجنة لوضع القيم الأخلاقية اللازمة وتوزيعها على المناهج الدراسية.

وأضاف أن هناك العديد من القيم والمبادئ التي يمكن دمجها في المناهج الدراسية مثل النزاهة، تحمل المسؤولية، الالتزام بالوقت، حماية الضعفاء، حل المشكلات عن طريق الحوار، تنظيم العلاقات بين الطلاب، وقف التنمر من قبل المعلمين، وتقديم أنشطة ممتعة للطلاب، وبالتالي يجب أن تكون بيئة المدرسة بيئة أخلاقية.

وأكد عبيدات أن المناهج الدراسية تتطور باستمرار، ومع ذلك، لا يمكن الوصول إلى مناهج متكاملة تمامًا، إذ لا تزال المناهج تعتمد على التلقين والتوجيه والإرشاد، لافتًا إلى أن الأخلاق يجب أن تكون اختيارية ويجب دمجها بشكل مستمر في النظام التعليمي.

وفي السياق ذاته، أشار الدكتور محمود المساد، مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقًا، إلى أن التربية الأخلاقية هي عصب التعاملات الحياتية اليومية التي تحدد نجاح الفرد أو فشله في حياته، فهي تشكل حاضنة الخبرات للفرد والثلث الرئيس من جانب شخصيته والتي توجه سلوكه تجاه نفسه والآخرين، لافتًا إلى أن التربية الأخلاقية تتضمن القيم الإنسانية السامية والمبادئ النبيلة التي يتحلى بها الشخص بدرجة ما، حيث تكون سببًا في قبوله وراحته وإنتاجيته، أو على العكس، في جعله شخصًا ثقيلًا ومملًا ومرفوضًا من الآخرين.

وبين المساد أن التربية الأخلاقية تشير إلى الجهود التي تبذلها السلطات التعليمية من أجل تنمية القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد، وتعزيز الفضائل الإنسانية مثل الصدق، والأمانة، والتعاون، والعدالة،والاحترام، والإخلاص في العمل، والتسامح، والسلام، موضحًا أن التربية الأخلاقية تتعلق بالطرق الصحيحة للتصرف تجاه الآخرين، وفي بعض الثقافات، الطرق الصحيحة للتصرف تجاه القوى الخارقة للطبيعة (الآلهة، والأرواح السلفية)، والكائنات غير البشرية (حيوانات من أنواع محددة)، والبيئة المادية (الغابات المقدسة، والجبال، والممرات المائية ).

وتابع أن عملية الإدماج في المناهج الدراسية تتم في محتوى التعليم الذي يتم نشره في الكتب المدرسية ومصادر التعلم الأخرى، فضلًا عن أدلة المعلمين الإرشادية،كما تتم من خلال تدريب المعلمين وتمكينهم على كيفية الوصول لهذه المفاهيم المدمجة، وتعديل بعض القناعات وغرس أخرى في أطرهم الفكرية وموجهات سلوكهم المدرسي، مشيرًا إلى أن أفضل طرائق تدريس القيم والمهارات الأخلاقية التي من أهمها التعلم بالقدوة، والمحاكاة لنماذج سلوك المعلمين سواء كانت في غرف الفصول أو في مجال المدرسة أو في خارجها، إضافة إلى التعلم من خلال الأداء الطلابي وممارساتهم في المشاريع وعمل المجموعات التي تخضع للمراقبة المباشرة والعمل الأخوي المشترك.

واختتم حديثه المساد بأن التعلم المدرسي هام جدًا في ترسيخ القيم الأخلاقية لدى الناشئة، حتى أن الدول تتمايز على الأغلب فيما بينها، بل وتعرف من النظرة الأولى، من طريقة السلام وأساليب الترحيب بالآخر، ودرجة الانفتاح ومستوى الحوار، ودرجة المرونة دون الدفاع بالحجة والمنطق وإيجابية الاتصال، عن الرأي والأفكار حتى تثبت رجاحة الرأي الآخر.