المربعانية لم تعد كما كانت.. تأخر الشتاء أصبح واقعًا

نبض البلد -

 

سعد: تأخر المربعانية أصبح ظاهرة متكررة

توقع زيادة النزولات القطبية المتأخرة في شباط وآذار

 

الأنباط – ميناس بني ياسين

لم تعد التغيرات المناخية مجرد أبحاث ونظريات ومقالات علمية تمر بنا بشكل عارض كما كان الوضع في سنوات مضت، بل أمست هذه التغيرات واقعًا معاشًا يلمسه الجميع.

وتتجلى بوضوح التغيرات المناخية في اضطراب الفصول وتأخر الشتاء في بلاد الشام، والأردن تحديدًا التي اعتادت على دخول المربعانية في موعدها التقليدي.

تساؤلات كثيرة تثار حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التحول المناخي، فهل أصبح الشتاء غير منتظم بسبب الاحترار العالمي؟ وما الدور الذي تلعبه الظواهر المناخية مثل النينو والتذبذب القطبي في هذا التغير؟

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على العوامل التي أدت إلى تأخر الشتاء هذا العام، ونبحث ما إذا كان هذا التأخير مجرد حالة استثنائية أم جزء من نمط مناخي جديد قد يصبح القاعدة في السنوات القادمة.

كما نستعرض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتخفيف من تأثير تغير المناخ على الفصول، في ظل توقعات بأن يستمر هذا الاضطراب، ما يجعل الشتاء أكثر تأخرًا، وأقل استقرارًا وأكثر تطرفًا في شدته.

وأكد خبير الاستدامة والتغير المناخي، رئيس شبكة بيئة أبوظبي عماد سعد أن بلاد الشام ليست وحدها من يعاني من تأخر الشتاء، بل أصبحت هذه الظاهرة واضحة في مناطق البحر المتوسط وأجزاء من أوروبا، موضحًا أن التغير المناخي لم يكن السبب الوحيد، لكنه كان عاملًا رئيسيًا في تأخر موسم الشتاء.

 

أسباب تأخر موسم الشتاء والمربعانية

وأكد سعد أن تأخر موسم الشتاء، وخاصة المربعانية في بلاد الشام هذا العام يرجع إلى مجموعة من العوامل المناخية والظواهر الجوية العالمية، أبرزها التغير المناخي والاحترار العالمي، الذي يؤدي بدوره إلى اضطراب في أنماط الطقس، ما يسبب تغيرات في توقيت الفصول التقليدية، وتزايد درجات الحرارة العالمية ما يؤثر على توزيع التيارات الهوائية والمسارات المعتادة للمنخفضات الجوية، بالإضافة إلى ظاهرة النينو التي تشهد هذا العام قوة أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، ما يسبب تأخر تشكل الأنظمة الجوية الشتوية في المنطقة.

وتابع، "كما شهدت بلاد الشام تغييرًا في تموضع المنخفضات الجوية، فبعض المنخفضات المتوسطية التي كانت تمر فوق المنطقة في كانون الأول وكانون الثاني تحركت شمالًا أو شرقًا بسبب الضغط الجوي المرتفع، ما أدى إلى تأخر وصول الأمطار والبرد القارس. أما في شهر شباط، ومع تراجع المرتفعات الجوية، أصبح المجال مفتوحًا لتشكل منخفضات جوية أقوى تؤدي إلى الشعور بعودة المربعانية".

وأوضح سعد أن ما نشهده هذا العام هو اضطراب في الأنماط الجوية نتيجة التأثير المشترك بين التغير المناخي، النينو، والأنظمة الجوية شبه المدارية، ما أدى إلى تأخر الشتاء الحقيقي إلى شباط بدلًا من كانون الأول والثاني.

وأضاف "إذا استمرت هذه الظواهر، قد نشهد في السنوات القادمة أنماطًا مشابهة من فصول الشتاء المتأخرة وغير المنتظمة".

 

التأخر طبيعي أم أصبح ظاهرة متكررة في السنوات الأخيرة؟

وأشار إلى أن تأخر الشتاء والمربعانية لم يعد حدثًا استثنائيًا، بل أصبح ظاهرة متكررة في السنوات الأخيرة، خاصة في بلاد الشام، وهناك عدة مؤشرات تدل على أن هذا النمط قد يكون جزءًا من تغير مناخي طويل الأمد وليس مجرد تذبذب عابر، نذكر منها تكرار الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة، حيث لوحظ تأخر فعلي في دخول الشتاء القوي في بلاد الشام، وأصبحت الفترات الدافئة تمتد حتى كانون الأول وأحيانًا حتى كانون الثاني، وبعض الفصول الشتوية شهدت بداية باردة لكنها انقطعت سريعًا بفترات جفاف، ثم تبعتها نزولات باردة متأخرة في شهر شباط.

وإلى جانب تغير الفصول والمواسم عالميًا، فبلاد الشام ليست وحدها من يعاني من تأخر الشتاء، بل أصبحت هذه الظاهرة واضحة في مناطق البحر المتوسط وأجزاء من أوروبا، حيث تأخرت أنظمة الشتاء المعتادة في عدة مواسم متتالية، وبعض الدراسات تشير إلى أن الفصول الانتقالية (الخريف والربيع) أصبحت أطول، بينما الشتاء أصبح أقصر وأكثر تقطعًا، بحسب سعد.

وأكد أن هذا التأخر لم يعد مجرد حالة فردية استثنائية، بل أصبح جزءًا من تغير مناخي أوسع يؤثر على أنماط الطقس في المنطقة. ومن المتوقع أن نشهد في السنوات القادمة المزيد من الاضطرابات في توقيت الشتاء، مع احتمال استمرار التأخر في بدء المربعانية، وزيادة النزولات القطبية المتأخرة في شهر شباط وآذار.

وبين سعد أنه يمكن القول إن تأخر الشتاء هذا العام مرتبط جزئيًا بظاهرة التغير المناخي، لكنه ليس العامل الوحيد. لكن السؤال هنا كيف يؤثر التغير المناخي على تأخر الشتاء؟ موضحًا أن التغير المناخي يؤدي إلى اضطراب في الأنماط المناخية التقليدية، ما يجعل فصول السنة أقل انتظامًا وأكثر تقلبًا وارتفاع درجات الحرارة العالمية أدى إلى تغيير توزيع أنظمة الضغط الجوي، ما أخر قدوم المنخفضات الشتوية المعتادة. كما أن فصل الخريف أصبح أطول، والشتاء أصبح يبدأ متأخرًا مقارنة بالمعدلات السابقة.

وتابع "رغم أن التغير المناخي عامل مهم، إلا أنه ليس السبب الوحيد في تأخر الشتاء. هناك عوامل طبيعية أخرى ساهمت أيضًا، مثل ظاهرة النينو التي زادت من احترار الغلاف الجوي وأدت إلى تأخر الشتاء عالميًا. والتذبذب القطبي والذي جعل الكتل الباردة تبقى محصورة في القطب الشمالي لفترة أطول. بالإضافة إلى الأنظمة الجوية المحلية، مثل قوة المرتفع السيبيري، التي حالت دون نزول البرودة في وقتها المعتاد".

 

هل تستمر ظاهرة تأخر الشتاء في السنوات القادمة؟

وأشار سعد إلى أنه من المتوقع أن تستمر ظاهرة تأخر الشتاء في السنوات القادمة، وقد تصبح أكثر شيوعًا بسبب استمرار التغير المناخي وتأثيره المباشر، فالاحترار العالمي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة تدريجيًا، مما يغير توزيع أنظمة الضغط الجوي ويؤثر على توقيت الفصول، كما أن ارتفاع حرارة المحيطات والبحار يؤخر تشكل المنخفضات الجوية الشتوية، ما يسبب تأخير دخول الشتاء وبدايته الفعلية.

 

إجراءات للتخفيف من تأثير تغير المناخ على الفصول

ونوه إلى الإجراءات الممكنة للتخفيف من تأثير تغير المناخ على الفصول وتأخر الشتاء الناتج عن تغير المناخ، يمكن اتخاذ مجموعة من الإجراءات على المستوى الدولي، الوطني، والمجتمعي، تنقسم إلى إجراءات للتخفيف من التغير المناخي، وأخرى للتكيف معه.

وتتمثل الإجراءات بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة (التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، الرياح، والطاقة النووية النظيفة، والحد من استخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء والصناعة، وتحسين كفاءة الطاقة في المباني، المصانع، ووسائل النقل).

وإجراءات التكيف للتعامل مع اضطراب الفصول مثل تطوير أنظمة الإنذار المبكر والتنبؤات الجوية الدقيقة (الاستثمار في أنظمة رصد الطقس والمناخ لتحليل التغيرات المناخية وتوقع الفصول بدقة أكبر، ونشر الوعي المجتمعي حول التغيرات المحتملة وتأثيرها على الزراعة والموارد المائية).

والإجراءات الدولية والسياسات البيئية مثل الالتزام بالاتفاقيات الدولية للمناخ (دعم وتنفيذ اتفاقيات مثل اتفاق باريس للمناخ التي تهدف إلى تقليل الاحتباس الحراري إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، وتعزيز التعاون بين الدول لنقل التكنولوجيا النظيفة إلى الدول النامية، وتعزيز السياسات البيئية والتشريعات، فرض قوانين للحد من انبعاثات المصانع والشركات الكبرى. وضع حوافز مالية للمؤسسات التي تستثمر في الطاقة النظيفة والممارسات المستدامة).