نبض البلد - بهدوء
عمر كلاب
رغم أنه شهر الانضباط على الأقل في موعد تناول إفطاره, إلا أن رمضان المبارك يشهد انفلاتات عجيبة وغريبة, فخلال رحلة التسوق التي تقوم بها سيدة المنزل, تعود كالعادة بمجموعة من إمساكيات شهر رمضان, وبما أنني من المنضبطين في هذا الشهر الفضيل, الذي تربطني به علاقة حب أزلية, فإنني أتابع الإمساكيات من باب الفضول, ويا للعجب, فهناك اجتهادات غريبة في الإمساكيات, وعدم انضباط في مواعيد الإفطار والإمساك, ناهيك عن إمسكاية افترضت الشهر 29 يومًا وأخرى تعاملت معه بالثلاثين.
مواقيت الصلاة والإفطار ثابتة على الأقل في المحافظة الواحدة, ولا أظن العاصمة عمان مترامية الأطراف حد فوارق التوقيت ومراعاتها, لكن يبدو أن الجميع استسهل الانفلات, والجميع بات قادر على إعداد أجندته الخاصة, حتى إمساكية رمضان, فنحن لا نعاقب أحد ولا نتصدى لأحد, إلا إذا تجاوز حدود طبقة بعينها من السلطة, مهما بلغت تجاوزاته على الدولة, وثمة طرفة يرويها الحبيب سمير الحياري, لا مجال لنشرها كاملة, وهي تتحدث عن تطاول على أركان الدولة, يرويها الباشا لمحدثه, وفي سياق الطرفة يذكر كيف جاءت سيرة شخصية مهمة, فتم الالتفات إلى الشخصية والإساءة إليها, ولم يتوقف أحد عند الإساءة للدولة وأركانها.
هذه السيولة في المواقف والتصدي لاستسهال التجاوز, قد ينظر لها عقل السلطة بخفة, لكنها خطيرة جدًا, وتساعد في إدارة الظهر للدولة, وتعالوا نرى كيف حال شوارعنا والانصياع للقانون فيها, وتعالوا نتابع أي ملف لنرى حجم التجاوزات فيه والاعتداء عليه, من أول قانون للبناء إلى آخر قانون للاعتمادية الجامعية والتعليمية, الجميع استسهل الخطأ والتجاوز, والجميع يستمتع بالتجاوز على القانون ويعتبرونه مهارة إضافية, ولا أحد يلتفت إلى ما تنخره هذه التجاوزات في عظم الوطن ولحمه الحي, وآثار هذه المسلكيات على الأجيال القادمة.
أظن أن انفاذ القانون وإعماله على الجميع هي المهمة الأولى للحكومة, بعد أن استسهل كثيرون التجاوز على القانون, الذي يجب احترامه حتى لو كنت تعارضه, فلقد انتقلنا في بلدنا أو للدقة انتقلت فئة عريضة في بلدنا إلى رفض منطق القانون ذاته, وتريد قانونها الخاص, في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام, انقذوا دولة القانون قبل أن تصبح مجرد ذكرى, فالإمساكية ليست أول الخطر ولكنها تكرسه هذه المرة في جانب ديني هو الأخطر في وجدان أبناء الأمة.