منذ تعريب قيادة الجيش إلى رفض خطة التهجير: ما الذي تغير؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

تسعٌ وستون سنةً مضت على اتخاذ المغفور له الملك الحسين بن طلال قرار تعريب قيادة القوات المسلحة الأردنية، حيث تصادف هذه المناسبة الوطنية يوم الأول من آذار ويحتفل بها الأردنيون بكل عز وفخار. منذ ذلك اليوم، أصبح الجيش الأردني تحت قيادة أردنية خالصة عملت على تطويره إلى أن وصل إلى مستوى متقدم من المهنية والحرفية والبطولة. وقد تعرض هذا القرار -كالعادة- لحملات تشكيك استمرت للأسف حتى يومنا هذا.

 

مشهدُ تعريب قيادة الجيش، الذي وقف فيه الأردن بقيادة الحسين -رحمه الله- في مواجهة بريطانيا العظمى آنذاك، يذكّرني بموقفنا الذي قاده جلالة الملك عبد الله الثاني ضد المحاولات الأمريكية لفرض تسوياتٍ للقضية الفلسطينية على حساب الأردن. والتشابه هنا يؤكد بطبيعة الحال أن الأردن بقيادة الهاشميين امتلك منذ تأسيس الدولة الحديث مساحة واسعة من الحركة في التعامل مع القوى العظمى، على عكس ما يحاول البعض تصويره.

 

ظلَّت الحملات مستمرة بذات النسق منذ اتخاذ قرار تعريب قيادة الجيش، فنحن ما زلنا أمام تكرار نفس الخطاب من قبل نفس التيارات السياسية التي أدارت حملات التشكيك منذ عام 1956، وإن كان هذه المرة بأدوات مختلفة مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وإذا سألت أيًا من اتباع هذه التيارات عن سبب استمرار الحملات لعقود لأجابك الإجابة الكلاسيكية التي تفيد بأن بريطانيا قوة استعمارية بالتالي فالتعاون معها من البداية يعتبر خطيئة سياسية، وكأن العالم في تلك الفترة كان يسمح بالحياد من قبل أي دولة بالذات في منطقتنا.

 

إحدى هذه الحملات اشتعلت بشكل غريب بعد المشهد العاصف للمؤتمر الصحفي الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، حيث حاول البعض إظهار الأخير كبطل، رغم أن ما حدث له كان مهينًا بشكل بالغ ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحويله لبطولة، ومع ذلك، ارتأى البعض أن ما حدث كان انتصارًا وجرأةً غير مسبوقة كتوطئة للهجوم على الموقف الأردني.

 

بلغ العشم من قبل بعض التيارات بهشاشة العقل العربي حدَّ محاولة قلب الحقائق؛ فقد سعى بعض الإعلاميين والنشطاء ورسامي الكاريكاتير إلى عقد مقارنة خبيثة بين موقف الملك عبد الله الثاني وموقف رئيس أوكرانيا، وكان القصد من هذه المقارنة المشوَّهة إنكار نجاح جلالته في إيقاف خطط ترامب المتعلقة بالتهجير، فقد شعرت بعض الدول والكيانات بالحرج من براعة الملك في إدارة المشهد مع واشنطن، وخصوصًا أن ترامب منذ لقائه بجلالة الملك لم يتحدث مطلقًا عن موضوع التهجير، في حين أُرغمت أوكرانيا على التنازل عن مئات المليارات من الدولارات عن طريق صفقة المعادن التي تضع خيرات أوكرانيا تحت تصرف الأمريكيين.

 

في أي علاقةٍ بين دولتين إحداهما عظمى، تكون الندية عنوانًا غائبًا، غير أن العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة اتسمت بندية واضحة، ليس من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، بل من ناحية قدرة الدولة الأردنية على استغلال المساحات المتاحة في هذه العلاقة بكفاءة عالية، ويقوم هذه الاستغلال الكفؤ على إدراك القيادة الأردنية أن ما يربطنا مع الولايات المتحدة تبادلية للمنافع وليس وصاية، وأن مصالح أمريكا مع الأردن مهمة جدًا وتعتبر حجر أساس في ضبط جنون هذه المنطقة.

 

إن ما تقدمه الولايات المتحدة للأردن لا يعدو كونه جزءًا بسيطًا من تكلفة تحملنا لتبعات مغامراتها في المنطقة، ولو كان الأمر بيدي لرفضت تسميتها بالمساعدات من الأساس، فضلًا عن رفض اعتبارها ثمنًا لشراء المواقف كما يعتقد البعض. وكما تعامل الأردن مع ما كان يُسمى بالمساعدات البريطانية عند اتخاذ قرار تعريب قيادة الجيش، فإنه يتعامل اليوم مع خطط التهجير بالمنطق نفسه؛ أي أننا ثابتون على مواقفنا ولن نتغير، في حين أن أعداء هذا البلد هم من يتغيرون ويتساقطون.

 

عبورنا للأزمات بذكاء لم يعد يروق للبعض، وارتفاع الوعي لدى الأردني أصبح يشكل ضغطًا على مشغلي الحملات ضدنا، لذلك من المطلوب أن تعزز المؤسسات علاقتها الإعلامية مع الناس، ومن الضروري أن يتم متابعة بعض الأذرع الإعلامية الرقمية المرتبطة بمشاريع خارجية.