أحمد الضرابعة
يُكرِّس الرئيس الأميركي ترامب في تعامله الفَظ مع رؤساء الدول الذين يستضيفهم في البيت الأبيض، نهجًا جديدًا في العلاقات الدولية، يتِّسم بالاعتماد على القوة ووسائل الضغط والصراحة السياسية المطلقة، لتحقيق أهدافه بسرعة وحسم كبيرين، مع تجنُّب استخدام الدبلوماسية وأدواتها، وهذا يُشكّل انقلابًا على الأساليب التقليدية المستقرة في العلاقات الدولية. ومن الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية، ستتسبب في تحفيز الدول المتضررة من التعامل مع رؤسائها، وفقًا لهذا النهج، لمراجعة علاقاتها مع القطب الأميركي وإعادة تقييمها، وقد يؤدي هذا لإعادة تنظيم الساحة الدولية، وتنشيط حركة الانتقال بين التحالفات، وتغيير موازين القوى في الأقاليم الدولية، وهذا يضع المصالح الأميركية على المحك، والتي تم تعريفها كنتيجة مباشرة لتفاهمات واتفاقات وتحالفات استراتيجية عابرة للإدارات الأميركية، وتراكمت على مدار عقود، وهذا يُفسح الطريق للقوى الطامحة لتغيير النظام الدولي، وكسر الهيمنة الأميركية، مثل الصين وروسيا، التي ستسعى لاستغلال هذا الوضع، لصالحها
يتبع الرئيس الأميركي ترامب في سعيه لمعالجة القضايا والتحديات الدولية، نهجًا قائمًا على فرض الحلول بالقوة، دون استشارة الأطراف المعنية أو تقدير مصالحها، رغم أن بعضها تجمعه علاقات استراتيجية مع بلاده؛ فعلى سبيل المثال، يطلب ترامب من الدول العربية استقبال اللاجئين الفلسطينيين، بصرف النظر عن تبعات ذلك على أمنها الوطني، ويطلب من أوكرانيا الدخول في محادثات سلام مع روسيا، دون الاهتمام لمتطلبات أوكرانيا الوطنية للموافقة على ذلك. وقد سبق له في فترته الرئاسية الأولى، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران دون استشارة حلفاءه وشركاءه الأوروبيين الذين كانوا جزءًا من الاتفاق.
المفارقة، أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ الحرب العالمية الثانية، رغم تشدد بعضها، تمسكت بالحد الأدنى من الاعتراف بالمصالح الاستراتيجية الأميركية ومراعاتها، وكانت مدركة لأهمية استخدام الدبلوماسية وأدواتها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، فعلى سبيل المثال، خلال فترة الحرب الباردة، اعتمدت الإدارات الأميركية على الدبلوماسية لاحتواء نفوذ الاتحاد السوفياتي. وفي سعيها لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، توسطت إدارة جيمي كارتر بمحادثات السلام بين مصر وإسرائيل. أي أن الثابت في السياسات الأميركية، كما هو متعارف عليه، يقوم على الموازنة بين القوة والدبلوماسية، والتمسك بهذه الثنائية، كأداة رئيسية لخلق التوازن والاستقرار الدوليين.
ختامًا، تُشكل الإدارة الأميركية الحالية عبئًا على النظام الدولي برمّته، وما لم تقم بعقلنة سلوكها وعلاقاتها مع الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، فإنها ستعرِّض مصالحها الاستراتيجية للخطر، وقد تضع الدول الحليفة لها، في حال مواصلة تهميش مصالحها، ومعاملتها بفوقية سياسية، وابتزازها، أمام خيارات صعبة، تؤدي في المحصلة إلى بحثها عن شركاء جدد وتحالفات بديلة، لضمان مصالحها، وأمنها الوطني.