التهجير" جوهر الصهيونية السياسية والدينية
الاحتلال ينتشي بعد خطة ترامب حول غزة: "قد تغير التاريخ
الغزيون ل "بلاندفورد" ب 1951 "كتبوا مشروع سيناء بالحبر وسنمحوه بالدم"
أولا.. ( 3 )
نتنياهو يتابع مسيرة هرتزل وبيغن واشكول
الانباط - عبد الرحمن ابو حاكمة
لم تكن الابادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في فلسطين وتحديدا منذ اكثر من خمسة عشرة شهرا "أول الدم" الفلسطيني.. بل سبقتها عشرات بل مئات المجازر والمذابح التي ارتكبها المحتلون الصهاينة منذ ما قبل عام النكبة 1948 حينما أعلن عن مولد الكيان الصهيوني على أرض فلسطين..
قبل هذا التاريخ كانت عصابات الصهاينة قد قاموا بسلسلة من العمليات الارهابية والمذابح الدموية ضد الفلسطينيين والعرب لا تقل بشاعتها عن ما جرى ويجري في قطاع غزة "على الهواء مباشرة" من قتل للمواطنين الفلسطينيين العزل الذين من لم يمت منهم برصاص وقنابل الاحتلال مات عطشا او جوعا او بردا او مرضا او قهرا وصولا الى الوصول لجوهر الصهيونية وهو "التهجير" وطرد الفلسطينيين من ارضهم وديارهم... ف حلقات الدم الصهيوني تواصلت منذ ما قبل وعد بلفور في عام 1917 وحنى اليوم وستستمر غدا وبعد غد.
نشوة غير مسبوقة.. "قد تغير التاريخ"!!!
بعد أيام معدودة من تنصيبه رسميا، أفصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رؤية مثيرة عبر تهجير الغزيين من أراضيهم -بحجة أنها مدمَّرة وغير قابلة للعيش- نحو أراضٍ أكثر ملاءمة، لم يتوقف ترامب عن الحديث عن خطته.. هذه الخط التي قوبلت ب.. و"فاقت أحلامنا" هذه العبارة التي يمكن ان تلخص ردود الفعل الاسرائيلية وعلى رأسهم نتنياهو باقتراح ترامب، معتبرين أن "رؤية الرئيس الأمريكي تمثل تحولا جذريا في المنطقة". ف نتنياهو وصفها بأنها "قد تغير التاريخ". معتبرا ان الرئيس الأمريكي، "أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق في البيت الأبيض". الامر ذاته ينطبق على كل الساسة الصهاينة مسؤولين وعسكريين واحزاب ورجال دين على اختلاف تلاوينهم.
من النادر ان تتملك الكيان الصهيوني نشوة كتلك التي انتابت الكيان بعد تصريحات ترامب في 25 يناير 2025 واعقبت لقائه مع رئيس وزراء الكيان حيث اقترح خطة تتضمن إخلاء قطاع غزة من سكانه وإعادة توطينهم بدول مجاورة زاعما "يهدف هذا الاقتراح إلى إعادة تطوير غزة وتحويلها إلى منطقة سياحية تُشبه "ريفييرا الشرق" وهي خطة تلقفها الكيان بترحاب واحتفى بها الوزراء والعسكريين ورجال الدين واعضاء "الكنيست" وجميع الاحزاب من اقصى اليمين مرورا بالوسط الى اليسار.
بين طرح "بلاندفورد" وخطة ترامب
الخطة الأميركية ليست جديدة وقدمت من قبل بصيغ مختلفة على مدار عقود بفارق وحيد أن ترامب كان واضحا بطرحها بصورتها العارية دون تجميل. في يوليو/تموز 1951، وبعده في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور. وسبق ان طرح بلاندفورد وقتها باسم "الأونروا" برنامجا جديدا للتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بوصفها مشكلة تقنية اقتصادية وليست أزمة سياسية. فيما عُرف في حينه بـ"مشروع سيناء"، الذي كان يطمح إلى توطين 60 ألف لاجئ في صحراء سيناء بحشدهم حول مشروع زراعي تنموي. وبالتوازي مع اعلان تلك الخطة قام الاحتلال بالضغط على سكان القطاع بكافة السبل لقبول المشروع مع رُصد ملايين الدولارات لتنفيذه "مشروع سيناء" وهو عبارة عن صفقة لمقايضة الهوية السياسية للفلسطينيين مقابل المنفعة الاقتصادية، مستغلين حالة الإنهاك التي سبَّبتها النكبة، تماما مثل خطة ترامب التي تسعى لاستغلال معاناة الغزيين بعد اكثر من 15 شهرا من الابادة الجماعية والتدمير الممنهج. في حينه قوبلت تلك الخطة بمقاومة شرسة من الفلسطينيين بكل السبل، منها موجة مظاهرت عارمة وهتفوا خلالها: "كتبوا مشروع سيناء بالحبر وسنمحوه بالدم". حيث شطب المشروع كغيره، وتعود مخططات التهجير تلك إلى ما قبل تأسيس كيان الاحتلال بعقود طويلة، وجذورها إلى مؤتمر بازل 1897 الذي وضع اللبنات الأولى لفكرة إقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفلسطينية لتدخل مخرجات هذا المؤتمر حيز التنفيذ عام 1917 مع الوعد الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور لليهود بتوطينهم في فلسطين.
لاحقا وبعد نكبة 1948 ظهرت عشرات المشروعات والخطط التي تهدف إلى طمس جريمة تهجير الفلسطينيين، وتسوية مسألة اللاجئين بدمجهم في البلدان التي نزحوا إليها. ومنها مشروع جورج ماك، نسبة إلى مستشار وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط الذي طرح خطة 1949 تهدف إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وفي 1951، طرح بلاندفورد "مشروع سيناء" وتكررت المحاولة مجددا مع وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس في 1955، ومنها ايضا المشروع الذي طرحه الرئيس الأميركي جون كينيدي عام 1957، كما طرح عضو الكونغرس هيوبرت همفري منظوره للقضية خلال دراسة عام 1957، ليخلص إلى رؤية تضع "حق التعويض" بديلا عن "حق العودة". وتتقاطع مع مشروع قدَّمه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد عام 1959، بيد ان رفض تلك المشاريع فلسطينيا وعربيا لم يوقف الاقتراحات الغربية والصهيونية. وهو ما طرحه القائد الإسرائيلي إيغال آلون في يوليو/تموز 1967 بعد نهاية الحرب مباشرة، واستمر قادة الاحتلال ومراكز الفكر الخاصة بالكيان بنشر الأوراق وبث المقترحات، وكلها تدور في فلك واحد هو "تهجير الفلسطينيين". ومن أبرزها مشروع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا آيلاند، وحمل عنوان "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين" في 2000. وتكرر ذات العرض على يد الرئيس السابق للجامعة العبرية "يوشع بن آريه" في مخطط عنوانه "مشروع إقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء"، وفي 2013 طرحت خطة "برافر بيغن" وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، طُرحت وثيقة لوزارة المخابرات الإسرائيلية بشأن سيناريوهات التعامل العسكري مع قطاع غزة لضمان أمن المستوطنين في غلافه.
"التهجير" فكرة تستوطن العقل الصهيوني
ما طرح اعلاه من خطط ومشاريع واقنراحات صهيونية وغربية يؤكد أن ما طرحه ترامب ليس جديدا في دعوته لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. ف التهجير" هو جوهر الحركة الصهيونية منذ تأسيسها.
"أقترح صيغة خطة لضم القدس وغزة، مستعدون أن نقتل لأجل القدس والأرض. وفي غزة، عندما نتذكر وجود 400 ألف عربي، نشعر بالمرارة في القلب".. هذه التصريحات لم تأت على لسان بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب "الصهيونية الدينية" أحد أعمدة مشروع تهجير وتدمير الفلسطينيين حاليا، بل من ليفي أشكول رئيس حكومة الاحتلال خلال حرب 1967 وأحد قادة حزب "العمل" الذي تضعه تحليلات للحالة السياسية الإسرائيلية ضمن "اليسار". ما يؤكد ان فكرة التهجير ونفي الاخر تستوطن في جوهر العقل الصهيوني والحركة الصهيونية وقطباً رئيسياً يحرك قادتها ومؤسساتها السياسية والعسكرية. لذلك تكاثرت المشاريع الإسرائيلية مع تعدد الأجيال التي تعاقبت على قيادة الكيان حول تهجير الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم، وإن كان التهجير صعباً في مرحلة فالحلول هي في "الاحتواء" في سياق سياسي واجتماعي يسلب من الفلسطيني حقوقه السياسية، أو حشره في تجمعات جغرافية ضيقة تجعل من حياته مروراً دائماً بين الحواجز والمستوطنات والسعي خلف لقمة العيش.
وتكشف محاضر اجتماعات حكومة الاحتلال عقب حرب 1967 أن الوزراء بينهم موشيه دايان الذي كان وزيراً للحرب حينها بحثوا السبل المثلى لتسهيل التهجير واقترحوا محاربة الفلسطينيين بالعطش والجوع لدفعهم إلى خارج البلاد. وهو الهدف الأعلى للمنظومة الصهيونية، التي تغذيها الآن العقائد "الصهيونية الدينية"، وتأتي تصريحات ترامب في قلب المشروع الصهيوني الديني الذي وجد حلفاء أشد ارتباطاً به في الإدارة الأمريكية.
ويرى خبراء ومحللون سياسيون ان ما يحدث اليوم من مجازر ابادية جماعية على امتداد مساحة قطاع غزة، والعنف والارهاب الصهيوني على امتداد مساحة الضفة وفلسطين، تقف وراءه ايديولوجية واستراتيجيات واهداف خبيثة حيث ترتقي نزعة العنف والإرهاب لديهم إلى مستوى فلسفي مع تلميذ جابوتنسكي الأبرز والأمين الوفي لمدرسته، مناحيم بيغن، الذي اكد دائما على أهمية العنف في صياغة التاريخ "ان قوة التقدم في تاريخ العالم ليست للسلام بل للسيف.. أنا أحارب إذا أنا موجود”، ليصل إلى القول محرضاً على القتل".. "كن أخي وإلا سأقتلك"، وفي كتابه =الثورة= يقول بيغن "من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف والثماني مئة سنة الماضية ، اليهودي المحارب، أولا وقبل كل شئ يجب أن نقوم بالهجوم، نهاجم القتلة".
دافيد بن غوريون أول رئيس لوزراء الكيان الصهيوني عبر عن ذلك ايضا بقوله أيمانه "القوة والعنف وسيلة بعث حضاري لشعب إسرائيل.. الامتداد الحديث لدولة (يهودا) القديمة، مضيفا "بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستقوم ثانية".
وبهذا الصدد يؤكد المؤرخ العسكري الصهيوني البروفيسور فان كارفيلد: "إن "إسرائيل" تنتهج إستراتيجية محددة تقوم على "الطرد الجماعي للشعب الفلسطيني"، مشددا على أنه يجب طرد الفلسطينيين جميعا وأن "الحكومة الحالية تنتظر اللحظة المناسبة لتنفيذ هذا القرار".
وفي مقابلة معه قال كارفيلد:"يجب أن نستغل أي حادث من شأنه أن يوفر لنا فرصة ذهبية لطرد الفلسطينيين، كما حصل في دير ياسين 1948. وحين سئل: ألا تخشى أن تصنف "إسرائيل" على أنها دولة مجرمة؟ قال: "إسرائيل لا يهمها ماذا يقال عنها، ويجب تذكر مقولة وزير الدفاع الأسبق "موشيه ديان" حين قال: "إسرائيل" يجب أن تتصرف دائماً على أنها "كلب مسعور"، لأنها يجب أن تكون خطرة بنظر الآخرين، أفضل من أن يتم إيذاؤها".