سياسة بلا تردد وتدين بلا استبداد

نبض البلد -

بهدوء

عمر كلاب

وحدنا في الأردن نقرأ الانتخابات بطريقة مقلوبة, فظاهرة انزياح الناخبين نحو اليمين المحافظ واليمين الديني, ظاهرة تستشري في المجتمعات, ويبدو أن اليمين بتلاوينه بات أكثر جاذبية للمقترعين من غيره, وجاءت الانتخابات الألمانية لتؤكد هذا الانزياح نحو اليمين, وقبلها كانت الانتخابات الأمريكية وانتخابات أكثر من دولة أوروبية.

انتخاباتنا لم تغادر هذا المربع, فقد حصد مقاعد البرلمان اليمين المحافظ واليمين الديني, وبدل أن نقرأ هذه الظواهر الاجتماعية بعين علم الاجتماع السياسي, ذهبنا إلى تفسير نتائج صناديق الاقتراع وأرقامها, لنثبت أن اليمين الديني, حصد أصواتًا بنفس أصوات اليمين المحافظ, وكأن المباراة الانتخابية كانت بين يمينين, وليست بين الوان سياسية متعددة, جذب اليمين معظم أصواتها, فقد جذب اليمين قرابة مليون و300 الف صوت من أصل مليون ونصف ناخب.

اليوم يستأثر اليمين الديني, بمقاعد الكنيست الصهيوني, ويقود المنطقة إلى ترتيبات أمنية وسياسية, طابعها ومضمونها معادٍ للأردن, فهل نحتاج إلى إعادة ترتيب أوراقنا الداخلية, وفقًا لهذا المشهد, أم سنبقى أسرى لتفاصيل نكائية, لن تسمح لنا بالتقدم إلى الأمام أو تصليب جبهتنا الداخلية لمواجهة الأخطار, فثمة من يعبث بالداخل وثمة من يشرخ الصف, دون أدنى مراعاة لحساسية اللحظة, وضرورة الانسجام الكامل لمواجهتها.

مشكلة اليمين المحافظ في بلادنا أنه أسير السلطة, يفكر بعقلها دون عقله, بل انزلق إلى التماهي بالتفكير معها, فهو يفكر بموقف السلطة قبل أن يفكر بموقفه, ثم يقوم بصياغة موقفه وفقًا لتوقعاته بموقف السلطة, على عكس اليمين الديني, الذي يفكر بعقل الفقه المناقض لعقل السلطة, حتى لو تلاقت المصالح, فالمهم ألّا ينزلق إلى إظهار ولو ملمح توافق, بمعنى أنه يتمترس في خندق المواجهة للسلطة, ويأبى أن يصل إلى توافق معها, مما منح السلطة راحة في القرار والاستمرار على نفس النهج.

فحجته قائمة دومًا "لا يريدون التوافق بل المغالبة", ونسبيًا صحيح, واليمين الديني, جاهز لتبرير أي موقف أو توقير أي سلوك لحلفائه الداخليين والخارجيين, حتى لو كانت تناقض فكرة وفقهه, بحجة أن الموقف من المقاومة وفلسطين هو الذي يحدد الموقف, وقطعًا هذا فيه إزاحة, فقد رأينا موقفه من كثير من الأنظمة الممانعة, ورأينا موقفه من أنظمة ممايعة, وكلها تصب في خانة التناقض والمصلحة الحزبية أو المصلحة الجمعية لجماعته ذاتها.

أحد أبرز مؤشرات الانهيار الديمقراطي والإنمائي العربي, أن بوصلة الجميع يجب أن تكون فلسطين والمقاومة الدينية أو المقاومة اللابسة لعباءة النظام أو الدين, دون الالتفات إلى مؤشر التنمية البشرية ومؤشرات الدمقرطة والنزاهة والمساواة, فكل أنظمة الممانعة سقطت في بئر الفساد والإفساد والاستبداد, وكلها لم تنتج حالة مقاومة فاعلة تستند إلى مشروع وطني, قادر على المحافظة على الإنسان والأوطان, فسقطت أسير بؤسها السلوكي واستبدادها.

والحال ليس بالأفضل لدى الأحزاب اليسارية والقومية, فجزء كبير منها قد ارتدى العباءة الدينية, وبات أسيرها, ولم ينجح في تشكيل إطار ثالث, بل تبنى كل أنظمة الفساد والاستبداد لمجرد أن البوصلة هي فلسطين, دون قراءة البناء الذاتي لهذا النظام, وقدرته على بناء الإنسان والأوطان.

لا يمكن أن يتشكل نظام قادر على الممانعة والمقاومة, دون بناء داخلي سليم, يعتمد الدمقرطة والنزاهة والمساواة, بين أبناء الوطن الواحد, ويعلي من قيمة المواطن بصرف النظر عن دينه ومذهبه وأصله ومنبته, واعتماد نهج واضح يقوم على المكاشفة والمشاركة, وليس على التبعية والانقياد, لذلك لا يميننا يمين ولا يسارنا يسار, بانتظار جولة أخرى يتم فيها العودة إلى التقاسيم السياسية الواضحة والمعرفة بشكل صريح.

omarkallab@yahoo.com