الدكتور محمد العطيوي يكتب:الأردن يقلب الطاولة : تحالفات ملكية تمنع إسرائيل من كتابة نهاية فلسطين

نبض البلد -
الأردن يقلب الطاولة : تحالفات ملكية تمنع إسرائيل من كتابة نهاية فلسطين

《 بقلم الدكتور محمد طه العطيوي 》


بين واشنطن وأنقرة.. لعبة الشطرنج الأردنية

لم تكن زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى أنقرة اليوم حدثًا عابرًا، بل كانت الخطوة الأخيرة في سلسلة تحركات دبلوماسية مُحكمة تقودها القيادة الأردنية لإعادة رسم خريطة التحالفات في شرق أوسط مُنهك بالأزمات. من البيت الأبيض إلى المجمع الرئاسي التركي، ومن القاهرة إلى دمشق، تُحرك المملكة قطعاتها على رقعة الشطرنج السياسي بذكاء، مُعلنةً أن "اللعبة الكبرى" لن تُدار إلا بمشاركتها.


رسالة واشنطن.. عندما تحدث الملك بلغة "التهجير المرفوض" 

في 11 شباط ، حمل الملك عبدالله الثاني إلى الرئيس الأمريكي ترامب رسالةً واضحة:  "غزة لن تكون سيناريو تهجير جديد". لم تكن مجرد مناقشة روتينية، بل كانت تحذيرًا للولايات المتحدة الأمريكية من أن الأردن لن يكون شاهدًا على تصفية القضية الفلسطينية. الملك عبدالله الثاني حوّل البيت الأبيض إلى منصة لإعلان رفض "صفقة القرن و التهجير القسري لغزة "، وهو الموقف الذي أعاد الأمير الحسين التأكيد عليه في أنقرة اليوم : "إعادة إعمار غزة لن تكون إلا بأيدي أبنائها".

لقاء القاهرة-الخليجي.. تحالف "القلعة العربية" 
 
لم يكن اجتماع 21 شباط ، بين الأردن ودول الخليج ومصر مجرد لقاء أخوي، بل كان إعلانًا عن ميلاد تحالف عسكري-سياسي غير مسبوق. الأردن، بقيادة ملكية تعرف ثمن الدم الفلسطيني، حوّلت هذا التحالف إلى جبهة ضغط دولية، مستفيدةً من شبكة علاقاتها مع تركيا – التي أكد الأمير الحسين خلال زيارته دعمها لـ "حل الدولتين" – لتحويل القضية الفلسطينية من ملف إنساني إلى قضية أمن قومي عربي-إسلامي.

أنقرة و عمّان.. تحالف يُقلق إسرائيل
 
اللقاء التركي-الأردني لم يكتفِ بتأكيد الدعم المشترك لفلسطين، بل كشف عن تحوّل جوهري في الاستراتيجية الإقليمية:  

- مُثلث الطاقة الجديد: توسيع التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين قد يُعيد رسم خريطة الطاقة في المتوسط، خاصة مع حديث اللقاء عن "مشاريع بنية تحتية مشتركة".  

- الجبهة السورية: دعم الأردن وتركيا لوحدة سوريا يقطع الطريق على الميليشيات الموالية لإيران، ويفتح الباب أمام دور عربي في إعادة الإعمار.  

- القدس خط أحمر: وصف الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات بـ"الاستفزاز الخطير" كان رسالة مباشرة لدول عربية تقف موقف المتفرج .


دمشق تدخل من الباب الأردني ... 
 
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عمّان غداً الاربعاء هي التتويج العملي للتحالف الأردني-التركي. الأردن، بموقعه الجيوستراتيجي وعلاقاته مع الغرب، وتركيا بقوتها العسكرية، قدّما نفسيهما كـ"ضامنين" لاستقرار سوريا، في خطوة تُعيد دمشق إلى الحضن العربي، وتُجبر النظام السوري على الاختيار: إما التحالف مع محور "عمّان-أنقرة-القاهرة"، أو البقاء في عزلة إقليمية.

القمة العربية.. معركة الأردن الكبرى 

في القمة العربية المرتقبة، سيخوض الأردن – بدعم مصري-سعودي – معركتين:  

الاولى ، معركة الوجود الفلسطيني : بطرح خطة عملية لإعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي، مع ربط أي تمويل بضمانات بعدم التهجير.  

الثانية ، معركة الشرعية : بتحويل "مجموعة الاتصال الإسلامية العربية" (التي أشار إليها الأمير الحسين) إلى كيان فاعل يُحاسب إسرائيل على انتهاكاتها.  

الأردن يُعيد تعريف دوره... فهل تُدرك إسرائيل الرسالة؟

التحركات الأردنية ليست سوى فصول في رواية أكبر: رواية دولة صغيرة جغرافياً، لكنها عملاقة بإرادة سياسية. الأردن، برؤية قيادته، يرفض أن يكون ساحة للصراعات، بل يُخلّد اسمه في ذاكرة العالم كصانع للسلام في عصر تمزّقه الحروب والصراعات.