تصريحات نتنياهو حول جنوب سوريا.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

أضافت إسرائيل جنوب سوريا إلى مجال مناوراتها، حيث صرّح نتنياهو بأنه يجب أن يحتفظ بالقدرة على الحركة في جنوب سوريا وهذا يمثل البعد الجغرافي بحجة "أمن إسرائيل"، وتذرّع أيضًا بحماية دروز سوريا لخلق بعد ديموغرافي لطموحاته.

إسرائيل تتحرك بحرية شبه مطلقة في المناطق التي أخلتها إيران أو أي من وكلاءها، فحصاد المكاسب الإسرائيلية كان جوهره السيناريو الغريب لتنازل إيران عن حلفائها، وقد ذكرتُ ملامح وتجليات هذا السيناريو في مقال سابق هنا كان عنوانه "كيف تنازلت إيران عن حلفائها بهذه البساطة”. ولفهم ما يحدث فإنني أعتقد أن الأفضل أرى في هذا السياق اعتماد قاعدة بسيطة وهي أن النظر إلى النتائج أهم من الجدل حول الطرائق في السياسة، فإيران فعلت ما فعلت في المنطقة، وعادت اليوم وانكفأت لتناقش مع الغرب ملفاتها الخاصة، وإسرائيل حققت ما حققت وها نحن اليوم في مواجهة مع مكاسبها.

جميع مجالات الحركة الإسرائيلية تؤثر على الأردن، لكن أخطرها هما الضفة الغربية والجنوب السوري، وما يجري في الضفة ليس بجديد من حيث العمليات الممنهجة المتصاعدة هناك، وهذا يتطلب منا طبعًا أن يكون لنا خطة استباقية واضحة تتمثل في استخدام علاقتنا مع السلطة الفلسطينية، وجميع الأدوات المتاحة لخلق واقع يضمن مصالحنا. أما داخليًا، فمن المهم تعزيز المنظومة القانونية الأردنية لقطع الطريق على التهجير والتوطين بحيث لا يؤثر ذلك على مصالحنا وعلى الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة.

الملف المقلق الجديد الاضافي هو ملف الجنوب السوري، حيث يظهر نتنياهو نواياه لتحقيق سيطرة هناك، وهذا بطبيعة الحال يتطلب من الدولة الأردنية أن تتحرك بشكل استباقي أيضًا من خلال التنسيق مع السلطة الجديدة في دمشق وربما يكون هذا على جدول أعمال زيارة السيد أحمد الشرع المتوقعة إلى عمّان في قادم الأيام، لكن بتصوري البسيط، فهذا الاعتماد على حكومة دمشق الحالية غير كافٍ، ولا يمكن الاعتماد عليه، لأن الدولة السورية الحالية ضعيفة جدًا بعد حلّ جيشها وتدمير بنيته التحتية، وبسبب المطاوعة المبالغ بها التي يبديها حكام سوريا الجدد مع جميع الأطراف.

ملفاتنا في الجنوب السوري معروفة: الأمن، وتهريب المخدرات، والمياه. وهذه الأخيرة بالغة الأهمية لأن التعامل معها يحتاج إلى التحرك خارج حدودنا على عكس الملفين الأول والثاني اللذان يمكن التعامل معهما من داخل الحدود إلى حدٍ بعيد، فهناك حقوق مائية للأردن ضمن اتفاقية تم خرقها من قبل النظام السوري السابق. للأسف، ملف المياه في الجنوب الغربي السوري يقع حاليًا في المجال الحيوي الذي يريد نتنياهو فرضه كأمر واقع.

تصريحات نتنياهو يمكن أن تكون لتحقيق مصالح متكاملة، كفرض منطقة عازلة (بخيراتها ومواردها) تضمن له الحماية من تقلبات الوضع في سوريا، وذلك بالمناسبة أصبح مقبولًا دوليًا ضمن حالة حصاد المكاسب التي تستفيد منها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر خارجيًا داخليًا على مستوى تسويق اليمين الإسرائيلي، حيث نتعامل اليوم مع واقع تثبيت النظرية الأمنية الإسرائيلية على أيّ جغرافيا بشكل روتيني.

الحركة الأردنية يجب أن تكون شبكية وليست خطية، فنحن فعليًا أمام بؤر متعددة ذات ديناميكية عالية، لذلك لا يمكن أن تتركز الجهود على التعامل مع ملف واحد (غزة مثلًا) وترك بقية الملفات لردّ الفعل.

ما حققه جلالة الملك في واشنطن خلال زيارته الأخيرة يُعدّ اختراقًا وإنجازًا عظيمًا، لكنه يحتاج منا أفرادًا ومؤسسات إلى البناء عليه في التعامل مع هذه الملفات، فما فعله الملك يترتب عليه توسيع زاوية الرؤية لدينا، والتحول إلى وضعية المبادرة في الفعل.