نبض البلد - د. أيوب أبودية
تتعرض الأردن حالياً لموجة من الأحوال الجوية الباردة التي تشكل تحديات كبيرة في العديد من القطاعات، ومن بين هذه التحديات يأتي قطاع البناء والتشييد، حيث تُعد درجات الحرارة المنخفضة جداً بيئة غير مناسبة لصب الخرسانة. العمل في هذه الظروف قد يؤدي إلى تشقق الخرسانة وضعف مقاومتها، مما يهدد سلامة الابنية ويقلل من عمرها الافتراضي.
تأثير الطقس البارد على صب الخرسانة:
الخرسانة تتكون من مزيج من الأسمنت، الرمل، الحصى، والماء، حيث تعتمد عملية تماسكها وتصلبها على تفاعل كيميائي بين الماء والأسمنت يعرف بـ"الإماهة". هذه العملية تعتمد بشكل كبير على درجة الحرارة؛ فكلما انخفضت درجة الحرارة، تباطأت عملية التماسك. وعندما تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات متدنية جداً، كما هو الحال في الأردن خلال الايام الاخيرة، قد تتوقف عملية التماسك تماماً، مما يؤثر سلباً على مقاومة الخرسانة واستقرارها.
في الطقس البارد جداً، هناك خطر رئيسي يتمثل في تجمد الماء داخل الخرسانة قبل أن تتمكن من التماسك. إذ يؤدي تجمد الماء إلى تمدد حجمه، مما يُسبب تشققات في الخرسانة قبل أن تصل إلى قوتها الكافية لتتحمل الإجهادات. هذه التشققات تُضعف الخرسانة بشكل كبير، وتجعلها عرضة للانهيار أو التآكل المبكر.
ضرورة عدم صب الخرسانة في درجات الحرارة المنخفضة:
في ضوء هذه المخاطر، من الضروري الامتناع عن صب الخرسانة في درجات الحرارة التي تقل عن 5 درجات مئوية دون اتخاذ إجراءات وقائية مناسبة. كما يجب تأجيل كافة أعمال صب الخرسانة إلى حين تحسن الأحوال الجوية أو توفير تقنيات تضمن تماسك الخرسانة في درجات الحرارة المنخفضة. ويفضل عدم الصب بعد الظهر خوفا من تدني درجة الحرارة مساء.
التأخير في صب الخرسانة يعد ضرورة للحفاظ على جودة البناء وضمان سلامة المنشآت. قد يؤدي التسرع في العمل في هذه الظروف إلى نتائج كارثية في المستقبل، تشمل انهيارات أو تصدعات في البنى التحتية، مما يزيد من تكلفة الصيانة والإصلاحات.
أهمية تأجيل فك الطوبار:
إلى جانب تجنب صب الخرسانة، يجب تأجيل فك الطوبار (القوالب) لفترة أطول من المعتاد في الطقس البارد. فك الطوبار قبل وصول الخرسانة إلى قوتها الكافية قد يؤدي إلى تلف الهيكل وفشل الخرسانة في تحمل الأحمال المقررة.
في الظروف الباردة، يتطلب الأمر وقتاً أطول لتحقيق التماسك النهائي للخرسانة، وهو ما يستدعي تمديد فترة بقاء الطوبار لدعم الخرسانة حتى تصل إلى القوة المطلوبة. في الطقس المعتدل، قد يستغرق الأمر نحو 48 ساعة لفك الطوبار في الاعمدة والجدران، ولكن في الظروف الباردة جداً قد يتطلب الأمر من 72 ساعة إلى أسبوع أو أكثر، بحسب شدة البرودة.
إجراءات الوقاية أثناء العمل في الطقس البارد:
في حال كان من الضروري مواصلة العمل في الطقس البارد، يمكن اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية لضمان تماسك الخرسانة وسلامتها. من هذه الإجراءات:
1. تسخين الماء والمواد الأخرى: يمكن تسخين الماء الذي يتم خلطه مع الأسمنت أو تسخين الحصى والرمل لضمان عدم تجمدها أثناء الخلط. ولكن مع الحذر من الإفراط في التسخين حتى لا يحدث اماهة لحظية flash setting
2. استخدام إضافات كيميائية: هناك مواد مضافة يمكن إضافتها إلى الخرسانة لتسريع عملية التماسك وتقليل تأثير البرد عليها.
3. تغطية الخرسانة بعد الصب: يجب تغطية الخرسانة بعد الصب بمواد عازلة للحرارة مثل الأغطية السميكة العازلة للحفاظ على الحرارة داخل الخرسانة ومنع تجمد الماء.
4. استخدام خيام حرارية: في بعض الحالات، يتم بناء خيام مؤقتة حول منطقة الصب واستخدام سخانات داخلية لرفع درجة حرارة المحيط وضمان استمرار عملية التماسك بشكل طبيعي، خاصة في حال الخرسانة المسبقة الصب والقوالب.
تأجيل العمل كإجراء احترازي أفضل:
من الناحية المثالية، يُعد تأجيل العمل في الظروف الجوية الباردة جداً الخيار الأفضل. بالرغم من أن هذا قد يتسبب في تأخير المشروع، إلا أن الحفاظ على جودة وسلامة الخرسانة هو الأولوية القصوى. إن تجنب العمل في هذه الظروف يحمي المنشآت من مشاكل هيكلية كبيرة قد لا تظهر إلا بعد فترة طويلة، مما يجعل من الوقاية أفضل من محاولة الإصلاح لاحقاً. ومن واجب أمانة عمان والبلديات التحذير من هذه المخاطر.
ان الأحوال الجوية الباردة في الأردن تشكل خطراً كبيراً على صب الخرسانة، حيث تؤدي درجات الحرارة المنخفضة جداً إلى ضعف عملية التماسك وتعرض الخرسانة للتشقق. فمن الضروري الامتناع عن صب الخرسانة في هذه الظروف وتأجيل فك الطوبار حتى تكتسب الخرسانة القوة الكافية. كما يجب اتخاذ تدابير وقائية في حال استمر العمل، مثل تسخين المواد وتغطية الخرسانة. بالرغم من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تأخير العمل، إلا أن الحفاظ على جودة وسلامة المنشآت يجب أن يكون الهدف الأسمى لضمان استدامتها وسلامتها على المدى الطويل.
