نبض البلد -
حاتم النعيمات
أردنيًا، لم يكن ملف حزب الله مثار نقاش وجدل إلا بعد عام 2013، أي عندما أعلن الحزب مشاركته في الحرب الدائرة في سوريا. فقبل ذلك، كانت النظرة الأردنية العامة مختزلة في أن الحزب في وضعية حرب (مناوشات غالبًا) مع إسرائيل، بالتالي فإن أي ضرر يَلحق بكيان الاحتلال الإسرائيلي يصب في مصلحتنا، فكان الحياد هو الغالب رغم إدراك الأردن لارتباطات الحزب الإقليمية.
بعد أن رجحت كفة الحرب لصالح النظام السوري السابق وحلفائه، وأهمهم حزب الله، وذلك بعد التدخل الروسي عام 2015، أصبح لدى هذا الحلف حاجة لتعويض خسائر الحرب، فتم تكثيف العمل على تصنيع وتهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية بهدف الربح المادي عن فتح سوق الأردن والخليج العربي، ومن أجل الضغط على الأردن.
استهداف الأردن بالمخدرات كان المنعطف الذي يفترض أنه حتّم على الجميع الخروج من حالة الحياد تجاه حزب الله وأعوانه والتحول مباشرة إلى وضعية الدفاع عن الوطن، فهذا هو رد الفعل "الطبيعي” ضد أي هجوم خارجي، فهذه الهجمات لم تكن عادية، فقد تسببت باستشهاد كوكبة من ضباطنا وجنودنا الأبطال، وتطلبت أن يزور جلالة الملك-القائد الأعلى للقوات المسلحة الوحدات المرابطة في الشمال وتقديم الدعم الكافي.
بعد السابع من أكتوبر 2023، توضحت نوايا محور "المقاومة” بقيادة إيران تجاه الأردن، إذ نشط حزب الله والمحور في التحريض ضد الأردن عبر نشطاء ومنصات. وكانت الخطة تتمثل في خلق فوضى داخلية لإنشاء خط إمداد بديل من العراق إلى الضفة الغربية لتعويض خسارة "ورقة” غزة بالنسبة لإيران. وفي خضم ذلك، اشتدت محاولات اختراق الحدود، وازدادت القوى المهاجمة عددًا وتطورًا، فيما بدأت هتافات "تخوين" الأردن تتصاعد في شوارع عمّان من حناجر تابعين "للمحور” وحزب الله.
اليوم، يشارك بعض "الأردنيين” في تشييع حسن نصر الله وخليفته في بيروت. ومع أن الجنازة وفق العرف السياسي ليست أكثر من محاولة من الحزب لاستعادة شعبيته وصورته في لبنان والمنطقة، وبغض النظر عن أن المشهد برمته "معنوي” – خصوصًا بعد أن وقّع الحزب اتفاقية وقف إطلاق النار مع إسرائيل، حيث احتفظ الاحتلال الإسرائيلي "بحرية العمل العسكري الكاملة”، وعاد بموجب الاتفاق إلى ما وراء الليطاني، وتم تفويض الجيش اللبناني بتفكيك سلاح الحزب – فإن حضور هذا الحفل من قبل جماعات وأحزاب وشخصيات أردنية يعني أننا أمام تيارات سياسية لا تأبه لمصلحة الأردن، ولا لتلك الحملات ودعوات الفوضى، ولا لدم شهدائنا من القوات المسلحة.
كما يعني أيضًا أن الخارطة السياسية الأردنية ليست سوية! فالأصل أن يكون الاختلاف والتمايز لأجل مصلحة الدولة فقط؛ أقصد أن تأييد من يعادي الأردن لا يدخل في سياق الحرية السياسية، ولا يجب علينا كأردنيين أن نصمت أمام هذه الممارسات كما صمتنا سابقًا على مَن أيد الناصرية التي أكلت من الكينونة الأردنية ما أكلت، أو على من قدم العزاء بمن فجّر فنادق عمان قبل أن يجف دم شهدائنا، والأمثلة تطول.
الأردنيون اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية وتنقيحها، فمعظم من كان يستقوي على الأردن بدعم خارجي يقف اليوم بلا دعم ولا ظهر، لذلك فالوقت اليوم مناسب جدًا لمراجعة كل شيء وبجرأة كبيرة.