ضمن جلسة حوارية في اليوم الثالث من المهرجان
في إطار فعاليات المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر 2025"، وجهت المصورة الوثائقية الإسبانية ليز أرانجو دعوة للمصورين والمؤسسات الإعلامية إلى إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها تصوير الأزمات الإنسانية، مؤكدةً أن التصوير الفوتوغرافي يجب أن يكون أكثر إنصافاً وعدالةً في تمثيل الأفراد والمجتمعات.
جاء ذلك خلال جلسة نقاشية بعنوان "تحدي الصور النمطية البصرية"، حيث استعرضت أرانجو أساليب تجاوز القوالب النمطية التي لطالما هيمنت على التصوير الوثائقي، مشددةً على ضرورة إنتاج صور تحترم كرامة الإنسان وتعكس واقعه بإنسانية وعمق.
تصوير الأزمات: بين التوعية والاستغلال
واستهلت أرانجو حديثها بالإشارة إلى الإشكاليات الأخلاقية التي تحيط بتوثيق الأزمات الإنسانية، منتقدةً الطريقة التي يتم بها تصوير الضحايا في الحملات الإغاثية، حيث غالباً ما تُستخدم صور الأطفال الجائعين والمصابين بسوء التغذية لاستثارة العواطف وجمع التبرعات. واستشهدت بالصورة الشهيرة التي التقطها المصور كيفن كارتر عام 1993، والتي أظهرت طفلاً سودانياً يعاني من المجاعة بينما يجلس نسر بالقرب منه، قائلةً: "هذه الصورة جذبت انتباه العالم، لكنها طرحت أيضاً تساؤلات جوهرية حول دور المصور ومسؤوليته الأخلاقية في مثل هذه المواقف".
حين تصبح الصورة وسيلة لاستغلال المعاناة
وسلّطت أرانجو الضوء على تجربتها الشخصية في توثيق أزمة اللاجئين الفنزويليين، حيث قامت بتصوير عائلة كانت تحاول الهروب من الأزمة الاقتصادية في فنزويلا إلى كولومبيا، ونشرت صورهم في صحيفة إسبانية بهدف رفع الوعي بمعاناتهم. ولكن بعد سنوات، تلقت اتصالاً من والد أحد الأطفال الذين صوّرتهم، وأخبرها فيه أن صورة ابنه استُخدمت في حملة لجمع التبرعات دون إذن العائلة، في حين أنهم لم يتلقوا أي دعم حقيقي من تلك الأموال. وعلّقت على ذلك بالقول: "لقد وثقوا بي، لكنهم وجدوا أنفسهم في موقف استغلالي دون أن يكون لهم أي سيطرة على الطريقة التي يتم بها استخدام صورهم."
نحو إنسانية أكثر في التصوير الوثائقي
وتحدثت أرانجو عن التحولات الحديثة في التصوير الإنساني، حيث بدأ المصورون في البحث عن طرق جديدة لتوثيق الأزمات دون التركيز فقط على مشاهد البؤس والمعاناة. وأشارت إلى أن الحملات الإنسانية لعقود طويلة اعتمدت على صور الأطفال بملابس رثة ووجوه مغطاة بالغبار، مما يجعلهم يظهرون كضحايا بلا أي سياق لحياتهم اليومية، مشددةً على ضرورة تقديم سرد بصري متكامل لا يقتصر على تصوير الألم، بل يشمل أيضاً الأمل والجهود التي تبذلها المجتمعات لمواجهة التحديات.
وضربت مثالاً على ذلك بقولها: "عند الحديث عن أزمة الأمن الغذائي، لا ينبغي الاكتفاء بعرض صور المجاعة، بل يجب أيضاً تسليط الضوء على المزارعين الذين يكافحون لمواجهة التغيرات المناخية، وعلى المجتمعات التي تبحث عن حلول مستدامة".
التصوير كأداة لتمكين المجتمعات
وفي ختام حديثها، أكدت أرانجو أن التصوير الفوتوغرافي الإنساني يجب أن يكون أكثر وعياً ومسؤولية، داعيةً إلى تبنّي منهجية أكثر إنصافاً في توثيق الأزمات. كما شددت على أهمية تعزيز دور المصورين المحليين في سرد قصص مجتمعاتهم بأنفسهم، بدلاً من أن يكون المصورون القادمون من الدول الغربية هم المصدر الوحيد لتوثيق الأوضاع في الدول النامية. واختتمت حديثها بتساؤل مهم: "أنا كمصورة أوروبية أذهب إلى مناطق تعاني من الفقر والجوع، فهل يحق لي أن أكون من يروي قصصهم؟ أم أنه من الأفضل تمكين المصورين المحليين للقيام بهذه المهمة بأنفسهم؟"