مسار وطبيعة الأوامر الخارجية.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

تحدث جلالة الملك خلال اجتماعه مع المتقاعدين العسكريين بوضوح وصراحة عن الذين يتلقون أوامر من الخارج، وقد استخدم جلالته لفظة "توجيهات” في البداية قبل أن يستبدلها بكلمة "أوامر”، ولهذا الاستبدال دلالات مهمة برأيي.

تلقي الأوامر يعني أن هناك سمة تنظيمية لدى من أرسل هذه الأوامر ولدى من استقبلها، ويعني أيضًا أن هناك مستوى مرتفعًا من "الطاعة” لدى المتلقي الموجود بيننا. فالأصل في العمل السياسي أن يكون خاضعًا للنقاش، وألا يكون على شكل أوامر، ومن المفترض أيضًا أن يكون عملًا محليًا. إذن، نحن نتحدث أولًا عن تنظيم عابر للحدود، وهذا يمكن حصره ومعرفته لأننا بتنا نعلم جيدًا تلك التنظيمات السياسية المرتبطة بالخارج، وثانيًا عن هيكلية تنظيمية لا تشبه هيكلية الأحزاب الطبيعية لدينا.

بمناسبة هذه التصريحات الملكية، دار حديث في إحدى جلسات البرلمان الأردني عن هوية تلك الجهة التي تأتمر بالخارج، وبشكل غريب، انبرت كتلة الإصلاح (كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي - الذراع السياسي لجماعة الإخوان في الأردن) للدفاع عن الجماعة التي تتبع لها، مع أن أحدًا لم يتهمها بشكل صريح أو مباشر. فجاء الرد على لسان رئيس الكتلة في المجلس، مرتكزًا بشكل كلي على تاريخ علاقة الجماعة مع النظام (على حد تعبيره)، واستدعاء التاريخ هنا يعني أن هناك مراجعة كلية لهذه العلاقة من الطرفين ربما.

تاريخ العلاقة الجيدة مع الدولة (ضمن ظروف إقليمية ودولية معروفة) لا يعني أن نتغاضى عن سلوك التنظيم طوال خمسة عشر شهرًا من الحرب على غزة، حيث حاولت خلالها جماعة الإخوان المسلمين اختطاف فكرة التضامن مع غزة وتجييرها كعلامة تجارية مسجلة باسمها. وكانت الشعارات المرفوعة تسيء إلى الموقف الأردني، من خلال الحديث عن أسطورة الجسر البري، وعن الخيانة التي تمثلها معاهدة السلام ووجود السفارة الإسرائيلية في عمّان، على حد زعم التنظيم. بل وصلت الأمور ببعض الأفراد إلى حد تخوين رجال الأمن الأردني ووصفهم بحماة الاحتلال والصهاينة، وقد شاهدنا ذلك بأم أعيننا.

ليس هذا فحسب، فمنذ بداية العدوان على غزة، ظهرت قناة ضخمة على تطبيق تيليغرام تسمى "طوفان الأردن لنصرة غزة”. هذه القناة، التابعة للحماس، شكلت منبرًا للتحريض والتجييش والشحن ضد الدولة الأردنية، واستهدفت الأردن بنمط يتناغم مع تقلبات العلاقة بين الأردن وحماس، حتى وصل الأمر إلى أن بعض الهتافات والشعارات كانت تُرفع مسبقًا على هذه القناة قبل أن نسمعها في الشارع خلال الاعتصامات لاحقًا.

مصدر الأوامر الآخر كان من خلال منصات مثل "ميم” و "إيكاد” وغيرها، وهذه المنصات استهدفت الموقف الأردني بضراوة عبر تقارير ملفقة ومواد مضللة، ومن تابع مسار هذه المواد يستطيع أن يعرف من كان ينتظرها في الداخل ليتلقفها ويعزز انتشارها ويحاول إظهارها كحقائق لا جدال فيها.

هناك قسم كبير من جماعة الإخوان في الأردن يدينون بالولاء الأعمى لحماس (وليس العكس)، ولا نحتاج إلى إثبات هذا الولاء، لأننا رأينا كيف استجابت الجماعة لدعوات بعض قادة حماس لتحريك الشارع الأردني خلال العدوان، حيث تجاوزت حماس من خلال هذه الدعوات جميع الأعراف بمخاطبة شعب من فوق دولته وحكومته. ورغم أن الحكومة الأردنية وبّخت مطلقي هذه الدعوات وحذرت حماس من هذا السلوك، إلا أننا لم نسمع كلمة واحدة من إخوان الأردن ضد هذا التجاوز الذي يسيء إلى الأردن وسيادته.

باختصار، هناك جردة حساب طويلة لسلوك الجماعة عن سلوكها خلال الحرب (على الأقل)، ولا يجب أن ينسى الأردنيون ذلك، لأن تقلبات المنطقة لم تعد تحتمل الحياد والمجاملات واختبارات التحمل. فسوء النية واضح لدى من تلقى ونشر وتداول النسخة المغلوطة من ترجمة تصريحات جلالة الملك خلال لقائه مع ترامب في البيت الأبيض، فلقد تعلمنا منذ بداية "الربيع العربي” كيف نكتشف مصدر الحملات وداعميها من خلال الشخصيات القائمة عليها، وأماكن إقامتهم، وأنماط تفاعلهم، ومن يساندهم في الداخل.

إن إثارة تلك البلبلة بسبب الترجمة الخاطئة لمدة أيام لم يكن أمرًا سهلًا، فهذا النوع من الحملات التشويهية يهدف إلى كسر الثقة بالدولة، وتحويل الرأي العام إلى حالة من العبث والشك في كل شيء. وهذا الأثر قد يبدو غير ضار على المدى القصير، لكنه قد يكون خطيرًا على المدى الطويل والتراكمي.

الأردنيون يكتسبون بشكل متصاعد مناعة ضد سلوك هذه التنظيمات، فردة الفعل الشعبية على كل حملات التشويه كانت جيدة، ولعل ما أزعج هؤلاء ومن وراءهم هو ظهور تلك العلاقة المتينة داخل ثالوث جلالة الملك والجيش والشعب، وأعتقد أن أكثر شيء أقلقهم هو حالة الوعي المتصاعدة في المجتمع الأردني.