نبض البلد - هل أستطيع ان أعلم نفسي كيف احيا الحياة، هل إستطيع أن أعلم نفسي كيف أنظر إلى الحاضر والماضي والمستقبل، هل إستطيع أن أعلم نفسي مفاهيم الحب والكره والإنتماء والعمل، هل إستطيع ان أحدد مجموعة القيم الخاصة بي، وانطلق منها كما يسعى الحداثيون من الفلاسفة لذلك.
حقيقة الفرق بين الفيلسوف والحكيم كما يقول لوك فيري (Luc Ferry) أستاذ الفلسفة والوزير الفرنسي السابق، بأن الحكماء لا يكتبون في الإغلب ولكنهم يستطيعون أن يعلموك كيف تحيا الحياة بحكمة.
في كثير من مفاصل الحياة نصطدم بهذا المصطلح، وهنا تحضرني تلك القصة التي ذكرها احد الأباء عن إبنه عندما جاءه بلعبته السيارة وقد انخلع عجلها من مكانه، فما كان من الأب إلا أن ألقها في سلة المهملات أمام نظرة الإستغراب من الأبن، الذي قال له بأنني لا إستطيع إصلاحها، وهنا بادر الإبن بإخراجها ومحاولة إصلاحها بنفسه، ونجح بعد عدة محاولات، نقطة نهاية السطر، أم هي نقطة بداية السطر.
وهناك يقف الرسول صلوات ربي عليه بعد صلح الحديبية، وقد إعترى الصحابة كآبة وإضطراب ورفض، حتى عندما أمرهم بالحلق وذبح الهدي، لم يبادر منهم أحد، فعاد مهموما إلى أم المؤمنين ام سلمة لتقول له، اخرج دون ان تتكلم فحلق رأسك وأذبح هديك والقوم سيتبعونك.
بين الحكمة في القول والحكمة في الحياة هل تكمن السعادة، هل يكمن الفهم، هل يستطيع الإنسان أن يعرف طريقه بنفسه، هل يعشق البشر المحاكاة في التصرفات والأفعال وردود الفعل، هل تحكمنا العقلية الجمعية في الفعل.
هل نعلق في عقل القطيع، او ننصاع لما يقوم به القطيع، وهنا اذكر حديث الرسول صل الله عليه وسلم العجيب " إنما الناس كالإبل المائة، لا تجد فيها راحلة " الذي رواه البخاري .
نعم نحن في تسعة وتسعين بالمائة من أفعالنا ننقاد ولا نقود، نتأثر ولا نؤثر، والخوف هو من محصلة القوى في المجتمع، نعم عندما تكثر تلك الفئة التي تسير في إتجاه واحد صائب كان أو خاطىء، فإن واحد بالمائة فقط لديه القدرة على المواجهة والتحذير والتغيير، وهنا تصبح تلك الصورة التي ذكرها جورج أورويل في روايته المشؤمة 1984 حقيقة واقعة.
وهنا تقفز الخراف من السفينة إلى البحر لأن أحدها فعل ذلك، فيما يسمى بتأثير القطيع (Herd Behavior ) هل تتحكم بنا الغرائز الإجتماعية او الخوف والذعر أم هو غياب العقل بشكل تام، هذه القصة تنطبق تماما على البشر للإسف.
ولذلك قالوا بأن الحضارة لا تنتقل من مجتمع إلى أخر بشكل جزئي ولكن بصورة كاملة، لان التصرف الحضاري يصبح هو السمة الغالبة في المجتمع، وعندها لن يجرؤ فرد على مخالفة القطيع، خاصة من تلك الخراف التي لا تحسن التفكير ولا التدبر ولا القرار، وهكذا يسير الجميع في إتجاه واحد، فإن كانت حركة المجتمع سليمة، فإنه حتى الخراف الضالة تسير في إتجاه صحيح، ولكن الخوف عندما تكون حركة المجتمع خاطئة عندها ستبحث بألم عن تلك الراحلة.
وعندها يجب أن تجتمع مجموعة من الرواحل كما قال عيسى عليه السلام لتشكل الملح، وعندما يصبح الملح كمية حرجة يتغير المجتمع، بفعل هؤلاء، وصبر هؤلاء، وتضحية هؤلاء.
إبراهيم أبو حويله...