نبض البلد -
حاتم النعيمات
من الطبيعي أن يلجأ أعضاء أي برلمان في العالم إلى استخدام اللغة العاطفية لجلب الشعبية ولتوسيع القواعد الانتخابية، ففكرة الانتخابات قائمة في جوهرها على التسويق، والقناعة الفكرية الحقيقية ليست هي المعيار في معظم الحالات. ومهما انخفضت جودة الخطاب البرلماني، فإن ذلك لا يعني فشل المؤسسة ذاتها بقدر ما يعكس توجهات الجمهور، أي أن المؤسسة ضرورة لكن سلوك أعضائها هو محط النقاش.
هناك معادلة ذهبية للعمل النيابي، وتتمثل في الجمع بين حق النائب في كسب تأييد قاعدته بما يناسبها من خطاب، والدور النيابي العملي الحقيقي، فلا يطغى جانب على آخر، لأن العمل النيابي يؤثر في الإدارة العامة للدولة وفي حياة الناس بالتشريعات والرقابة على أداء الحكومات.
وللإنصاف، فهناك أزمة جوهرية عامة في فكرة الانتخابات، تتمثل الأزمة في أن عملية اتخاذ القرار التي يمارسها الناخب بشكل غير مباشر لا تكون مبنية على الإلمام بالأمور الإدارية والسياسية والاقتصادية؛ فالغالبية من الناس في أي مجتمع هم أشخاص عاديون. ولا أقصد هنا أن أقدح في جوهر الانتخابات، لكني أريد أن ألفت النظر إلى أن الكثير من الدول تتمسك بالانتخابات، ليس لأنها الطريقة المثلى للإدارة، بل لأنها تحقق حدًّا أدنى من الرضا لتجنب أشكال عنيفة لتداول السلطة. ولو تأملنا إفرازات الانتخابات في الولايات المتحدة وبعض الدول مؤخرًا، لفهمنا أن الأغلبية قد تظلم الأقلية أحيانًا، وأن الإرادة الشعبية قد تأتي بالإقصائيين واليمينيين والمتطرفين أيضًا.
للأسف، يعتمد عدد من نوابنا فقط على الشق الشعبوي من المعادلة، وأنا لا ألومهم بالمقابل، لأن ربح باستخدام هذا الشق وأصبح مخضرمًا في المجلس، بل وازدادت رصيده من الأصوات بفضل هذه الشعبوية، مع أن أداؤه النيابي متواضع، حسبما تفيد تقارير راصد المختصة بالأداء النيابي، لكن ذلك لم يكن في حسابات الكثير.
من المؤسف أن يكون المعيار الوحيد لتقييم النائب من قبل الناخبين يعتمد على علو الصوت تحت القبة أو على قدرة النائب على خلق الجدل؛ فالحديث عن ملف مثل المناهج أصبح سُنّة غريبة ينتهجها نواب جبهة العمل الإسلامي بالذات، وهو ملف فني بحت يحتاج إلى مختصين للتعامل معه، ولا يخضع للاستعطاف والشحن، الميزة في موضوع المناهج هي سهولة اقتطاع جزء من سياقه من أي كتاب مدرسي وبناء فرضيات جاذبة للانفعال والعاطفة؛ فقد طلب أحد الأعضاء شطب درس عن أحداث 1970 التي ذهب ضحيتها عشرات الجنود والضباط والمواطنين الأردنيين، وكأن التاريخ والتضحيات يمكن شطبها بسهولة لأن أيديولوجيا ما لا تريدها، وكانت الحجة أنه يجب استبدالها بمعارك الجيش الأردني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، مع أن جميع معارك الجيش الأردني مع الاحتلال مذكورة في المناهج، وهنا تظهر المغالطة المنطقية التي تم الاعتماد عليها.
الرافعة الثانية للشعبوية السائدة في المجلس، ومن التيار السياسي نفسه، هي قضية فلسطين، حيث يُظهر بعض النواب مستوى غريبًا من اللاواقعية عند المطالبة بإلغاء معاهدة وادي عربة مثلًا، أو المطالبة بفتح الحدود، أو حتى التدخل العسكري، مع أن معظمهم قد رأى بأم عينه أن الواقعية السياسية الأردنية هي الوحيدة القادرة على حصد النتائج الإيجابية.
الرأي العام يجب أن يخضع هو ذاته للنقد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح وجهة نظر الأغلبية تمثل ديكتاتورية اجتماعية، فالانتخابات هي واحدة من أدوات الديموقراطية وليست كل الديموقراطية، وفوز الأكثرية أو الأغلبية لا يعني عدم سماع صوت الأقلية، هذا الفهم سيؤدي حتمًا إلى كسر دائرة احتكار الشعبية بالاستعراض، وإلى إعلاء صوت العقل في التعاطي مع الشأن العام.