نبض البلد -
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
الذكاء الاصطناعي بات اليوم في صدارة الثورة التكنولوجية، حيث يثير العديد من التساؤلات حول ما إذا كان يمكن لهذا الابتكار الرقمي أن يفهم المشاعر البشرية أو يتفاعل معها بعمق يتجاوز التحليل البارد للبيانات. يتميز الذكاء الاصطناعي بطبيعته العقلانية البحتة، حيث تعتمد خوارزمياته على معالجة كمية هائلة من البيانات لاتخاذ قرارات دقيقة وفعالة. ولكن في عالم تملأه التناقضات والعواطف، هل يمكن لهذه الآلة أن تتجاوز حدود المنطق إلى فهم ما هو إنساني بامتياز؟
العقلانية هي جوهر تصميم الذكاء الاصطناعي، حيث تُبنى الخوارزميات على أسس رياضية وإحصائية تهدف إلى تحقيق أفضل النتائج الممكنة في مواقف معينة. تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي في عملها على تحليل المعطيات واستنتاج الأنماط. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الخوارزميات في تطبيقات مثل التنبؤ بسلوك العملاء، أو تحديد المرضى المعرضين للخطر في المجال الصحي. هذه القدرات تُظهر القوة العقلانية لهذه التقنيات، إلا أن تحديًا كبيرًا يظهر عندما يتطلب الموقف قرارًا يتطلب تفهمًا للمشاعر أو الأخلاقيات.
في المقابل، تُعد العاطفة جوهر التجربة الإنسانية، فهي ما يجعل الإنسان قادرًا على اتخاذ قرارات مليئة بالدفء أو الرحمة، حتى لو لم تكن بالضرورة الأكثر منطقية. الذكاء الاصطناعي الذي يفتقر إلى هذه القدرة على الشعور يُواجه تحديات كبيرة في فهم السياقات التي تتطلب تفاعلاً عاطفيًا. على سبيل المثال، كيف يمكن لخوارزمية أن تتخذ قرارًا بشأن موضوع حساس يتضمن مشاعر شخصية عميقة أو يتطلب تعاطفًا؟ هذه الأسئلة تبرز التباين الكبير بين قدرة الذكاء الاصطناعي على الحساب وقدرة الإنسان على الإحساس.
تُظهر التطورات الحديثة أن الذكاء الاصطناعي يخطو خطوات نحو محاكاة العاطفة، من خلال ما يُعرف بـ "الذكاء العاطفي الاصطناعي". أنظمة مثل تحليل تعبيرات الوجه أو نبرة الصوت تهدف إلى قراءة المشاعر وتفسيرها. تُستخدم هذه التقنيات بالفعل في مجالات مثل خدمة العملاء أو تقديم الاستشارات النفسية الأولية. ورغم أن هذه المحاولات تبدو واعدة، فإنها لا تزال بعيدة عن الوصول إلى فهم عاطفي حقيقي، حيث تعتمد فقط على أنماط بيانات وليس على تجربة شعورية حقيقية.
التوازن بين العقلانية والعاطفة في الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات فلسفية عميقة حول حدود هذا الابتكار. إذا تمكنت الخوارزميات يومًا ما من فهم العاطفة بشكل كامل، فهل سيكون ذلك حلاً نهائيًا أم أن العاطفة ستظل شيئًا يتجاوز المنطق الحسابي؟ وهل يجب أن نسعى لجعل الذكاء الاصطناعي يشبه الإنسان في كل شيء، أم أن التميز يكمن في الجمع بين نقاط قوة كل منهما؟
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للعاطفة بل أداة يمكن أن تعزز تجاربنا الإنسانية إذا ما تم استخدامه بحكمة. يمكن أن يُكمّل الذكاء الاصطناعي العقلانية البشرية، بينما نبقى نحن المسؤولين عن إدخال لمسة العاطفة. الجمع بين الاثنين يمكن أن يخلق عالماً أكثر توازناً، حيث يمكن للتقنيات الحديثة أن تخدم البشرية دون أن تفقد القيم التي تجعلنا بشراً. ربما لن تتمكن الخوارزميات من الإحساس بالعاطفة مثلنا، لكنها بلا شك ستستمر في تحسين الطريقة التي نفهم بها العالم ونعيش فيه.