الشركات الناشئة في الأردن: هل تكون المحرك الجديد للاقتصاد؟

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران


"هل تعلم أن 75% من الشركات الناشئة في الأردن تغلق أبوابها خلال السنوات الثلاث الأولى؟” هذه الإحصائية قد تبدو صادمة، لكنها تعكس واقعًا معقدًا لريادة الأعمال في المملكة. فبينما تواجه هذه الشركات تحديات كبيرة، إلا أن بعضها استطاع تحقيق نجاحات إقليمية بارزة، مما جعل الأردن أحد المراكز المهمة لريادة الأعمال في المنطقة. فما العوامل التي تؤثر على نجاح هذه الشركات أو فشلها؟ وهل يمكن أن تكون المحرك الجديد للاقتصاد الأردني؟

شهدت السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في قطاع الشركات الناشئة، مدفوعًا بتزايد الاهتمام بريادة الأعمال، ودعم الحكومة والمؤسسات الاستثمارية. وفقًا لتقرير "Startup Genome 2023”، يساهم هذا القطاع بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة. وتشير بيانات وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة إلى وجود أكثر من 250 شركة ناشئة مسجلة حاليًا، تعمل في مجالات متنوعة تشمل التكنولوجيا المالية، التجارة الإلكترونية، والصحة الرقمية.

هذا التوسع لم يكن ليحدث لولا المبادرات الداعمة مثل "أويسس 500” و”إنديفر الأردن”، التي وفرت التمويل والإرشاد لرواد الأعمال، مما ساعد بعض الشركات على التوسع إقليميًا وعالميًا. على سبيل المثال، شركة "موضوع”، التي بدأت كموسوعة عربية رقمية، أصبحت من أكبر منصات المحتوى في العالم العربي، وجذبت استثمارات ضخمة لدعم نموها.

تلعب الشركات الناشئة دورًا رئيسيًا في خلق فرص العمل، حيث تشير إحصائيات البنك الدولي إلى أنها وفرت أكثر من 30,000 فرصة عمل مباشرة، معظمها للشباب. وفي بلد تصل فيه نسبة البطالة بين الشباب إلى مستويات مرتفعة، يبرز هذا القطاع كأحد الحلول لتقليل هذه النسبة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

إلى جانب توفير الوظائف، تسهم هذه الشركات في تحفيز الابتكار ونقل التكنولوجيا. العديد من الشركات الأردنية تعمل في مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني والتكنولوجيا المالية، مما يعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني. كما أن الشركات الناشئة الأردنية نجحت في جذب استثمارات أجنبية، حيث أظهرت تقارير "MAGNiTT” أن هذه الشركات جمعت أكثر من 250 مليون دولار في جولات تمويل مختلفة بين عامي 2021 و2023.

رغم الفرص الكبيرة التي يوفرها قطاع ريادة الأعمال، إلا أنه يواجه تحديات تعيق نموه واستمراريته. أبرزها التمويل، حيث يواجه العديد من رواد الأعمال صعوبة في تأمين الاستثمارات اللازمة، خاصة في المراحل الأولى. ورغم وجود صناديق استثمارية، إلا أن أغلب الشركات تعتمد على التمويل الذاتي أو استثمارات محدودة، مما يعيق قدرتها على التوسع.

البيروقراطية أيضًا تشكل عقبة رئيسية، إذ لا تزال إجراءات تسجيل الشركات والحصول على التراخيص تستغرق وقتًا طويلاً، ما يقلل من حماس المستثمرين ويؤثر على سرعة إطلاق المشاريع. بالإضافة إلى ذلك، تعاني بعض الشركات من نقص في الكفاءات التقنية المتخصصة، مما يدفعها إلى البحث عن خبرات خارجية بتكاليف مرتفعة.

لتمكين الشركات الناشئة من تحقيق تأثير اقتصادي أكبر، يجب تبني سياسات داعمة تسهل نموها. يمكن للحكومة، بالتعاون مع القطاع الخاص، توفير قروض ميسرة وتمويلات مخصصة للشركات الناشئة في مراحلها الأولى. كما أن تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية سيشجع المزيد من الشباب على دخول هذا المجال.

على المستوى التعليمي، يمكن للجامعات أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز ثقافة ريادة الأعمال، من خلال تقديم مناهج تركز على تطوير مهارات العمل الحر والابتكار، إضافةً إلى توفير برامج تدريبية متخصصة تلبي احتياجات السوق. كما أن إنشاء شراكات بين الشركات الناشئة والمؤسسات الكبرى سيساهم في تسريع نمو هذه المشاريع وزيادة قدرتها على المنافسة.

الشركات الناشئة ليست مجرد مشاريع صغيرة، بل هي محركات للنمو والابتكار وتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية في الأردن. ورغم التحديات، فإن الفرص المتاحة لها تجعلها قادرة على تحقيق تحول حقيقي في سوق العمل والاستثمار والتكنولوجيا. ومع استمرار تطور بيئة ريادة الأعمال، يبقى السؤال: هل يمكن للأردن أن يصبح مركزًا إقليميًا لريادة الأعمال؟ ربما يكون الوقت قد حان لاتخاذ خطوات جريئة تضع المملكة في مقدمة المشهد الريادي في الشرق الأوسط.