نبض البلد -
أحمد الضرابعة
- في الأيام القليلة الماضية، تعرّضت الدولة الأردنية، لهجمة عربية تقودها آلات إعلامية لم تتوقف عن وضع الأردن في محاكمات الرأي العام العربي الموجّه، مما زاد من التفاف الأردنيين حول قيادتهم لصد هذه الهجمة المدفوعة بحقد واضح
ورثت الدولة الأردنية مشروع الثورة العربية الكبرى الذي انطلق من الحجاز ليطرق أبواب الشام، لينتهي به المطاف - لأسباب استعمارية -، أسيراً في رقعة جغرافية صغيرة، محدودة الإمكانات، وهي الأردن، التي وجدت نفسها في موضع بحث دائم عن عمق استراتيجي يُمكّنها من تنفيذ التزاماتها القومية المنبثقة عن الثورة العربية الكبرى، فنجحت في ذلك أحياناً، وفشلت أحياناً أخرى؛ فمعادلة الحجم والإمكانات والعلاقات العربية والدولية وتقلّباتها، تلعب دوراً حاسماً في ذلك، وعليه، فإن النظرة العربية الأساسية للأردن بحكم المشروع القومي الذي يحمله منذ أكثر من قرن، تتطلب منه دوراً أكبر في القضايا العربية، بصرف النظر عن كلفته ونتائجه على الأردن ذاته !
ومن ناحية أخرى، عملت الأنظمة العربية القومية المدفوعة بطموحات التوسع الإقليمي على خلق صورة إعلامية تنزع حق الوطنية الأردنية بالنمو، والانتشار، وأظهرت الأردنيين كـ "طارئين" على الوجود، ولا يحق لهم التعبير عن ذاتهم إلا كجزء من محيط عربي، دون إظهار خصوصيتهم الأردنية، وأن عليهم تبني صفة الإيثار القومي دون التفكير بمصالحهم الوطنية، وكان أكبر مثال عملي على ذلك، هو اضطرار الأردن لدخول حرب 1967 لتأدية الواجب القومي، رغم أن موازين القوى كانت ظاهرة للعيان، وبالتالي، خسر الأردن الضفة الغربية بسبب الحسابات الخاطئة التي أجراها القوميون في مصر
وفي الوقت الذي استمع فيه العرب لروايات الأنظمة العربية القومية والفصائل والتيارات المختلفة حول الأردن وسياسته ومواقفه، فإن الرواية الأردنية لم تنتشر خارج حدود الدولة الأردنية، حتى أن رفوف المكتبات في الأردن، تعج بالكتب والروايات التي يطعن مؤلفوها بتاريخه، وتوجه له الكثير من الاتهامات السياسية، إلى جانب أن الذهنية الأردنية أصبحت مملوءة بالشوائب والمغالطات التاريخية، مع غياب أي خطة حكومية لاستغلال المساحات الإعلامية لتقديم رواية الأردنيين عن بلدهم، والدفاع عنها أمام الهجمات المتعددة
وكذلك، لم ينشأ في بلدنا، حتى اللحظة، تيار سياسي حقيقي ليكون هو الرافعة الأساسية للوطنية الأردنية التي تتعرض للاغتيال، في ظل استحواذ التيارات الدينية والقومية على الساحة المحلية، ونقلها المستمر للأزمات من الخارج إلى الداخل تحت عناوين مختلفة، وهذا يقودنا إلى نتيجة مفادها، أننا داخلياً نتعرض لخسارات على مستويات متعددة، وهذا لن يؤدي إلى انتصارات في الخارج
في النهاية، إن حرب الرواية الإعلامية، مردّها الأساسي هو الوعي، وعندما يصبح لدى الأردنيين، وعياً حقيقياً، لا مشوهاً، بذاتهم الوطنية، وأولوياتهم، ومصالحهم، فإن تدفق المنشورات الموجهة من دولة ما أو منظمة ما، لن يؤثر في مواقفهم، وهذا ما وضحته التفاعلات الأردنية مع الهجمة الإعلامية الأخيرة، وهو ما يجب البناء عليه، لنقل ما نؤمن به، إلى الخارج، لا أن يبقى حبيس الداخل