د. حسين البناء يكتب :الأردن، المأكول المذموم

نبض البلد -

د. حسين البناء
كاتب و أكاديمي



الأردن، كعادته، مأكول مذموم، لانه لا ينساق خلف الأوهام والشعبويات والخطابات الجوفاء غير الواقعية ، لأنه يدرك معنى المواقف والقرارات ... لأنه يعي معنى الحرب والموت والدمار والانتحار...لأنه يؤمن بالفيزياء ونواميس الكون وحقائق السياسة والاقتصاد ... لأنه تجرّع مرارة المغامرات والمقامرات العربية التي فتكت بأمتنا وجرّت لها الهزائم في حروب عبثية غير متكافأة وبدون استراتيجيات واقعية.

الأردن عرف الحروب وخاضها عندما كانت خيار الأمة الوحيد في ظل توازنات دولية سمحت بذلك، قبل تفكك الاتحاد السوفييتي، وقبل الاستفراد الأمريكي بالعالم.

الذين لم يحاربوا في نكبة 1948 ونكسة 1967 والكرامة 1968 و أكتوبر 1973 و العبور والاستنزاف ورمضان ...لا يحق لهم الحديث عن الحرب والتحرير والمقاومة ... ولا يحق لهم بيع الكلام عن بعد لحصد شعبويات وضيعة.

الأردن يفهم معنى الحرب؛ لأنه خبرها مرات كثيرة، ويعرف معنى النصر وغير ذلك، وهو يعي موازين القوى، ومخططات الدول العظمى، ويتصرف في ضوء الواقع والإمكانات.

مِن السهل أن تلعب دور القائد البطل الهمام، صاحب خطابات تسويق الوهم والعاطفة والشعبويات التي تدغدغ مشاعر القطيع ... لتجر على البلاد مرارة الحرب والدمار والهزيمة، ثم تجد المبررات ومسوغات "المؤامرة الكونية" لتبرير الهزيمة.

الأردن الرسمي والشعبي قدّم ما لم يقدمه أي عربي أو مسلم في حرب غزة تلك، بدءًا بالدعاء وصلاة الغائب في مساجده، والمَسيرات الداعمة، مرورًا بقوافل الإغاثات، وليس انتهاءً بالمشفى الميداني والإنزال الجوي للمعونات ... ليس سوى دعمًا للإنسان هناك، وبحكم الإخوة العربية والإسلامية لأهلنا في فلسطين، دون انتظار الشكر مِن أي طرف.

لا أدري ماذا قدمت دولٌ مثل تركيا وإيران وغيرهم للقضية الفلسطينية؟ كم عدد الشهداء منهم في حروبها؟ هل خاضوا أي حرب من حروب فلسطين؟ كم مليون لاجيء فلسطيني يستضيفون؟

ليس مِن أحد عرف فلسطين أكثر من الأردن، والجوار المتاخم في مصر وسوريا ولبنان و العراق ... البقية هم مجرّد متفرجون يجمعون اللايكات والشعبويات المجانية.