نبض البلد -
حاتم النعيمات.
حملة ضد الأردن من العدم، هذا ما شاهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يخص موضوع ترحيل أحلام التميمي، حيث استمرت الحملة لعدة أيام بوتيرة عالية وكثافة مذهلة. موضوع الترحيل من عدمه ليس القضية في تقديري، بل القضية هي كيف اخترقت هذه الحملة كل طبقات المجتمع الأردني خلال أيام، رغم أن المصادر جميعها اتفقت على أن التميمي لم تتلقَّ أي طلب بالترحيل.
لقد عاصرنا مرارًا هذا النوع من الحملات ضد الأردن، وخصوصًا بعد السابع من أكتوبر، حيث وصلت الأمور بهذه الحملات إلى مهاجمة المساعدات "الإنسانية” التي قدَّمناها وما زلنا نقدِّمها للأشقاء في فلسطين. ولك أن تتخيَّل سوء مَن يهاجم مساعدات موجَّهة لشعب يعيش ويلات عدوان غاشم.
أسلوب الحملات هذا لا تنتجه إلا دول معروفة في المنطقة، ومن يقرأ تحالفات بعض هذه الدول مع تيارات موجودة "داخل الأردن" سيفهم جزءًا مهمًا من دوافع هذه الحملات التي تسعى على المدى القصير لخلق تفاوتات سياسية وعلى المدى الطويل إلى تكسير صورة الدولة في الذهنية العامة للأردنيين.
تفكيك هذه الحملات يحتاج إلى متابعة نقطة بدايتها، وأوائل المتفاعلين معها، ونمط الشخصيات التي تثيرها. وأزعم أنني رصدت الحملة الأخيرة وحاولت فهمها باستخدام هذه الأدوات، فوجدت أن بدايتها كانت من الخارج عبر مجموعة تيليغرام مربوطة بحسابات قوية على منصتي X وفيسبوك، وأن أوائل من تبنى الحملة كانوا من الشخصيات التابعة للتيار الحمساوي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وهي ذات الشخصيات التي هتف معظمها بتخوين الموقف الأردني خلال الحرب، وهي ذاتها التي شنت حملة شعواء ضد الحكومة السابقة عندما حاولت وزارة الأوقاف تنظيم قبولات رياض الأطفال في جمعيات الإخوان بما يتناسب مع قانون التربية والتعليم، وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا داعي لذكرها.
الطرف الآخر الذي ساهم في الحملة تمثَّل في صفحات وحسابات تابعة لشخصيات إعلامية محسوبة على التيار الليبرالي، بالإضافة إلى بعض المنصات الإعلامية والمواقع التي تملك علاقات مع مؤسسات صحفية إقليمية، حيث تم تناول الموضوع من زاوية قانونية وحقوقية دون التطرق إلى حقيقة الرواية من عدمها، وكان في ذلك إخفاء واضح لجزء مهم من الحقيقة بقصد خلق انطباع أن الأردنيون يعيشون تحت حكم دولة ظالمة.
الحملة غير مبررة لأنها خارج سياق المشهد الداخلي، لكنها تصبح مبررة جدًا إذا قرأناها في ظل الإنجازات الدبلوماسية الأردنية وريادة الموقف الأردني وانزعاج البعض من دعوة واشنطن لجلالة الملك عبد الله كأول زعيم عربي يتلقى هذه الدعوة، وخصوصًا أن هناك من اعتقد أن العلاقات الأردنية-الأمريكية قد تضررت بسبب الموقف الأردني الرافض للإملاءات الأمريكية وآخرها طلب واشنطن بقبول التهجير.
المزعج في الموضوع هو وجود أذرع ولجان إلكترونية في الأردن تحت الأمر الخارجي، والمخيف جدًا في المشهد هو استجابة البعض لهذه الحملات لمجرد أنها واسعة الانتشار.
قد يقول قائل إن غياب الرواية الرسمية هو الذي يتسبب بكل هذا، وأقول هنا إن هذا الكلام حقٌّ يراد به النيل من الأردن؛ فهناك حملات كثيرة شُنت ضدنا سابقًا - وخصوصًا خلال فترة الحرب - رغم وجود الرواية الرسمية، ورغم كل التأكيدات الحكومية ومن كافة المؤسسات.
الدولة الأردنية تتقن التعامل مع هذه الحملات، ولكن لهذه الحملات بعدًا شعبيًا يجب تحليله ومعالجته من منطلق استفسارات بسيطة، أهمها: لماذا تسري هذه الحملات بسهولة وسرعة في جسم المجتمع الأردني؟ ولماذا لا نملك "كمجتمع" رواية قوية مضادة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة قد تسهِّل علينا تفكيك مثل هذه الحملات.
منعة الأردن وصلابته واستقراره يجب ألا تكون مهمة الدولة فقط، بل على العكس، ففي المواجهة مع هذا النوع من الهجمات الموجَّهة إلى "العقل الجمعي" يجب أن يكون الرد من العقل الجمعي ذاته، لذلك فلا يمكن لنا إلا أن نستخدم سلاح الوعي المنقلب عن انتماء حقيقي لهذا البلد العظيم للوصول إلى مناعة كافية ضد هذه الهجمات في هذه المنطقة المضطربة.