من السعودية إلى تركيا: التموضع الإقليمي لسورية الجديدة

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

بعد زيارته السعودية ولقاءه ولي العهد محمد بن سلمان وعناقهما السياسي، يتجه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى تركيا، لتكون السعودية وتركيا، وجهتيه الخارجيتين على التوالي، منذ توليه منصبه.

لا يدل ذلك فقط على انتقال سورية الجديدة من محور إقليمي إلى آخر، فمن البديهي أن يحدث ذلك، ومن المتوقع أن تتخذ الإدارة الانتقالية السورية المزيد من الإجراءات في سياق التحول عن سياسات حكم الأسد السابقة، لتصبح سورية "جديدة" بالفعل، ولكنه يدل في الوقت نفسه، على إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية في منظورها، لتصبح أكثر واقعية، وتكيّفًا مع مقتضيات المرحلة الراهنة.

اختيار أحمد الشرع، السعودية لتكون وجهته الأولى، ينطبق عليه المثل القائل: "البداية الصحيحة، نصف النجاح"، فالسعودية، بثقلها السياسي العربي، وإمكاناتها الاقتصادية الكبيرة، تضع سورية الجديدة، أمام بوابة كبيرة للانتشار السياسي الدولي، والتعافي الاقتصادي والاستقرار الداخلي، وتُعيد تموضعها في المنطقة بشكل أفضل، خاصة أن "محور المقاومة" الذي خرجت منه، والذي تقوده إيران، يواجه أسوأ مرحلة في تاريخه، وعليه، يدرك الشرع أن السعودية، التي ساهمت بملء الفراغ الرئاسي في لبنان بما يخدم مصالحها، لن تتردد بدعم سورية الشرع للأمر ذاته، خصوصًا أن إيران، تبحث عن مداخل تسمح لها باسترجاع نفوذها في الجغرافيا السورية، كما تتحدث التقارير، وهو ما لن تسمح به السعودية.

أما عن تركيا، فهي الراعي الإقليمي لـ "هيئة تحرير الشام" التي ورثت حكم الأسد بعد سقوط نظامه، وبالتالي، فإن ذلك سينعكس بالضرورة، على العلاقات التركية - السورية بشكل عميق، وهذا سيجعل تركيا لاعبًا كبيرًا ومؤثرًا في أي ترتيبات سياسية جديدة في سورية، نظرًا لأن مصالحها الأمنية متداخلة مع الواقع السوري.

يقف السوريون الجدد أمام استحقاقات وطنية مهمة، فإعادة بناء الدولة، وتوسيع نطاق سيادتها على ترابها الوطني، وتفعيل وظائفها وأدوارها الحيوية، يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا، وهو ما يتعذر الحصول عليه، دون موازنة دقيقة للعلاقات والمصالح مع الشركاء الاستراتيجيين لسورية، وهو ما يسعى أحمد الشرع للقيام به، عن طريق بناء أرضية مشتركة بين السعوديين والأتراك، والتنسيق بينهما، لضمان تحقيق الأمن والاستقرار في بلاده، لا أن تتحول إلى مساحة للصراع على النفوذ بين القوى الإقليمية، وهي عملية صعبة ومعقدة، لا يمكن التفاؤل بنجاحها على المدى الطويل.