هل أعادت واشنطن حساباتها؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

بدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحلّ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ضيفًا على واشنطن، كأول زعيم عربي يزور البيت الأبيض بعد تسلُّم ترامب الرئاسة في 20 يناير الماضي.

الإعلان عن الزيارة الملكية جاء بعد شدٍّ وجذبٍ حول مقترح ترامب لتهجير الأشقاء في غزة إلى الأردن ومصر، حيث واجه هذا المقترح رفضًا أردنيًا ومصريًا قاطعًا؛ نظرًا لما يشكّله من تهديدٍ للهوية الوطنية الأردنية والقضية الفلسطينية، فضلًا عن تأثيره على الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.

من الواضح أن الإدارة الأمريكية بدأت تفكر بشكل أكثر واقعية بعد ردّة الفعل الأردنية-المصرية-العربية، فالدعوة للقاء جلالة الملك في واشنطن تعني أن هناك رغبة حقيقية لدى واشنطن في فتح باب النقاش وتبادل الأفكار الواقعية والاطلاع على التشخيص الأردني فيما يخص مآلات المشهد في المنطقة. خصوصًا أن الأردن قاد تحركًا عربيًا تُوِّج بالقمة السداسية في القاهرة، لتقديم موقف رافض للتهجير ولسحب الذريعة من ترامب عبر تقديم بديلٍ لفكرة التهجير، وهذا باعتقادي ما أشعر الإدارة الأمريكية بأن الأردن يقود دورًا طليعيًا في عملية وضع المصالح الأمريكية مع مجموعة من الدول العربية وليس دولة واحدة.

الولايات المتحدة تسعى إلى قراءة المشهد الإقليمي واستكشافه في ظل الإدارة الجديدة من خلال الاطلاع على رؤية جلالة الملك وتشخيصه لأوضاع الشرق الأوسط. كيف لا، وقد قدم جلالته تاريخيًا العديد من المقاربات والتحذيرات قبل اتخاذ الولايات المتحدة لبعض التحركات في المنطقة ليثبت فيما بعد صواب تقدير جلالته. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها تحذيره المبكر للأمريكيين من عواقب غزو العراق، الذي لا تزال المنطقة تعاني تبعاته، فضلًا عن حديثه عن "الهلال الشيعي” في مطلع الألفية، الذي اكتمل لاحقًا وأدخل المنطقة في نفقٍ مظلم من صراع المصالح بين إيران واسرائيل، بالإضافة إلى تحذيراته المستمرة من ارتدادات استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما لذلك من آثار كارثية، ورأينا مثالًا عليها ما حدث في السابع من أكتوبر 2023.

الصراع الذي يخوضه ترامب مع "رواسخ" الدولة الأمريكية وأعرافها لن يكون سهلًا عليه، فآثار هذا الصراع لا تقتصر على الداخل الأمريكي فقط، بل تمتد إلى خارج الولايات المتحدة. ويبدو أن ترامب قد أخطأ في تقديره إذ فتح بقراراته وتصريحاته جميع الجبهات في وقتٍ واحد، وهذا بتصوري قد يجبره على إعادة تقييم سياساته.

إن أولى مظاهر مراجعة سياسات ترامب تتمثّل في دعوة جلالة الملك لزيارة واشنطن، وهو ما يعني أن الرجل يسعى إلى مقاربة واقعية يقدمها الأردن لأهم ملف في العالم وهو ملف الشرق الأوسط، بعيدًا عن صخب اليمين، الذي يريد تغيير ثوابت السياسة الأمريكية بين ليلةٍ وضحاها.

الأردن دولة ذات وزن في المنطقة، ولدينا، بحكمة الهاشميين وعلى رأسهم جلالة الملك عبد الله الثاني، قدرة عالية على حماية مصالحنا وإثبات وجهة نظرنا، وهذه القدرة أثبتت أنها مستدامة وحاضرة دائمًا، وما نراه اليوم هو مظهر من مظاهر حصافة السياسة الخارجية الأردنية، حيث تتراكم النجاحات بما يزيد من مكانة هذا البلد الذي يخوض نهضة دبلوماسية ستكون لها آثارها الإيجابية في المستقبل.