مع تبلور الموقف العربي، هل يسعى نتنياهو لإيقاف ترامب؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

الاستراتيجية العربية في التعامل مع "مقترحات” الإدارة الأمريكية بدأت تتبلور بعد الاجتماع السداسي العربي الذي عُقد في القاهرة، حيث جاء بيانه رافضًا بشكلٍ قاطع لفكرة التهجير، ومؤكدًا أن حل الدولتين هو الحل الذي تؤمن به الدول العربية، ولا بديل عنه لإنهاء الصراع. هذا الاجتماع، الذي ضم الأردن ومصر والسعودية والإمارات والسلطة الفلسطينية بالإضافة إلى الجامعة العربية، يمكن اعتباره بدايةً لموقف عربي موحد وصلب ضد مشاريع التهجير والتوطين.

عقب الاجتماع، أدلى وزير الخارجية المصري بتصريح مهم مفاده أن مصر والدول العربية تملك بديلًا لفكرة التهجير التي يعتبرها ترامب شرطًا لإعادة إعمار غزة، حيث قال الوزير أن لدى بلاده (والعرب ضمنًا) آلية لإعادة الإعمار دون إخراج أي فلسطيني من القطاع. في هذا التصريح محاولة جادة لسحب الذريعة التي يستخدمها ترامب لتسويق التهجير عبر محاولة إظهار الفلسطينيين كعائق أمام عملية إعادة الإعمار. الوزير المصري لم يتحدث بالتفاصيل، لكن من الواضح من خلال حديثه أن الدول العربية تسعى بجدية لسحب هذه الذريعة.

على الجانب الآخر، فإن الحسابات الإسرائيلية فيما يخص التهجير تختلف عن الحسابات الأمريكية؛ فزيارة نتنياهو المرتقبة إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع قد تحمل في طياتها بعض الاختلافات التي قد تفاجئ البعض، فالزاوية التي تنظر منها إسرائيل ليست تمامًا الزاوية التي ينظر منها ترامب.

اختلاف الرؤية هذا بين الأمريكان والإسرائيليين أساسه إدراك إسرائيل أن التهجير سينتج خللًا أمنيًا في الأردن ومصر على الأقل، وتدرك أيضًا أن غضب المحيط العربي منها لن يفيدها على المدى البعيد. ولا أقول هنا إن اليمين الإسرائيلي لا يرغب في التهجير، بل على العكس، لكن ما أقصده هو أن المقاربة الإسرائيلية لن تكون حادة كما هي المقاربة الأمريكية، لأن إسرائيل لديها واقع مختلف تفرضه الجغرافيا ومعادلات الأمن.

يجب التأكيد هنا على أن الدمار الذي أحدثته آلة الإجرام الإسرائيلية كان الغاية الأساسية من خوض الحرب على غزة، لذلك فإن التحرك الأمريكي-الإسرائيلي يعتمد كليًا على هذا المشهد الكارثي. ما تبقى من تفاصيل الحرب لم يكن هو الأساس، والنتيجة الساطعة التي لا يمكن إنكارها هي أن "نتائج الحرب" أصبحت صاعقًا لتفجير للاستقرار في المنطقة أكثر من الحرب ذاتها، لذلك فإن الحديث عن النصر في الحرب من منظور المجتمعات العربية هو شكل من أشكال المكابرة.

وزير الخارجية المصري تحدث عن توجه الدول العربية لعقد مؤتمر لإعادة الإعمار، وألمح في كلامه إلى إمكانية القبول بإدارة دولية وعربية لغزة، وهذا في تصوري سيكون البديل المنطقي لمقترح التهجير الذي يكرره ترامب. ولن أستغرب إذا دعمت إسرائيل هذا التوجه، لأن الاستعصاء الأمريكي لن يخدمها على المدى البعيد كما ذكرنا سابقًا.

الإدارة الأمريكية الحالية اشتبكت مع معظم دول العالم عبر حرب التعريفات الجمركية والمهاجرين والتهديد بالاستيلاء على بعض الدول والخروج من الاتفاقيات، وهذا يصب في مصلحتنا كعرب، إذ يمنحنا فرصة لتعزيز تحالفاتنا مع جميع هذه الدول المتضررة من السلوك الأمريكي، ويوفر لنا مساحة أكبر للثبات على رفض الحل الأمريكي للصراع.

وللاستفادة من هذا الوضع عربيًا، هناك شرطان رئيسيان للتعامل: الأول وضع مصالح أمريكا مع العرب "بالجُملة" على الطاولة، والثاني يتمثل في الثبات على الموقف العربي الجمعي الأخير، لأن حالة الاشتباك الأمريكي مع هذا العدد الكبير من الدول لن تستمر طويلًا مهما كان، ولأن العالم سيبدأ بتشخيص السياسة الأمريكية كسياسة متقلبة غير موثوقة وهذا بدوره سينعكس على الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل على المدى البعيد.