حاتم النعيمات
البعد الشعبي مهم لدعم تحركات الدولة الأردنية ضد "اقتراحات” ترامب، ومن تابع التظاهرات التي نفّذها مصريون أمام معبر رفح يدرك أن هذا البعد ضروري لزيادة مساحة المناورة التي تحتاجها الدولة لمواجهة هذا التخبط غير المسبوق في السياسة الأمريكية.
تاريخيًا، لعبت بعض القوى، ومنها الإخوان المسلمين واليسار، هذا الدور في الأردن، بصفتها صاحبة أكبر قاعدة شعبية والأكثر قدرة على التحشيد باستخدام العاطفة والشعارات. وهنا لا أقصد التقليل من شأن أحد، بقدر ما أحاول وصف كيف تقنع هذه القوى الناس. وحتى اليوم، لم نسمع موقفًا أو بيانًا من هذه القوى، وبطبيعة الحال، لم نَرَ لهم أي تحرك في الشارع كما عوّدونا، وكأنّ الموضوع لا يهمّهم. ولا أريد في هذا السياق أن أدخل في التأصيل الأيديولوجي لطريقة تعامل هذه القوى مع فكرة التهجير ذاتها، فهذا يحتاج إلى حديث طويل.
اليوم، تعزل هذه القوى نفسها، رغم أنها كانت قد ملأت الدنيا صراخًا خلال العدوان على غزة، ونظّمت عدة تظاهرات حاشدة لدعم ومساندة ومبايعة حماس وقادة التنظيم، ومع أن التهجير يُعتبر إنهاءً وجوديًا للقضية الفلسطينية، التي يقولون إنهم يضغطون على الدولة الأردنية من أجلها إلا أنهم لا يبدون ما يستحقه المشهد من اهتمام.
في السياق ذاته، تختبئ الكثير من الشخصيات الوازنة المحسوبة على الدولة عن المشهد، وكأنهم غير معنيين بالدفاع عن الدولة التي صنعتهم. بل إن بعضهم بدأوا يمارسون خطابًا شعبويًا، بإظهار أنفسهم وكأنهم الوحيدون الذين يملكون التشخيص والحل، وبدأوا يعزفون على وتر التشفي، مُلمّحين إلى أن ما نتعرض له اليوم من ضغوط هو نتيجة لسياسات الدولة السابقة، متناسين أنهم أنفسهم شاركوا في صنع هذه السياسات في وقت سابق.
جاء على لسان أحد المسؤولين السابقين، خلال خطاب انفعالي كلاسيكي، مطالباتٌ بمناقشة موازنة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، متجاهلًا التهديدات والضغوط التي تشهدها الدولة، والتي قد تتصاعد في الأيام القادمة. وكأنّ الحل السحري يكمن في موازنة هاتين المؤسستين، اللتين تُعدّان من أكفأ المؤسسات في الدولة الأردنية منذ تأسيسها. ولكي يمعن هذا المسؤول السابق في التأجيج تحدث عن مشكلة الدين العام محاولًا تصوير هذا الدين وكأنه المؤشر الوحيد على صحة الاقتصاد، وأنا متأكد أنه لا يعلم أن آخر ما يُنظر إليه لتشخيص أي اقتصاد هو الدين العام؛ فالدول العظمى، كأمريكا واليابان وبريطانيا، تعاني من دين عام هائل.
خلاصة القول، الأردن مطالب بالشروع جديًا في إيجاد قوى وطنية من رحم الحدث الحالي، وعلى ضفاف هذه المنعطفات الحادة. فعبورنا لهذا المنعطف لا يعني أننا ضمِنّا المدى البعيد والاستراتيجيا، ولنكُن على يقين بأن السياسة الأمريكية دخلت في مرحلة من التأرجح والتقلُّب، ويبدو أنها لن تعود كما كانت بسرعة كما يعتقد البعض. أقصد أن القصة ليست في ترامب نفسه، أبدًا، بل في نمط جديد في السياسة الأمريكية قد يستمر لعقود.
صحيح أن تصريحات ترامب ما زالت في مرحلة الاقتراحات، رغم ظهوره مرة أخرى وتأكيده أن الأردن ومصر سيقبلان التهجير، ولكن هذه الاقتراحات يجب أن تُدفن في مهدها، عبر حركة شعبية وفكرية صلبة تُظهر لترامب وغيره أن القضية ستتحول إلى خلل أمني يمتدّ على مستوى المنطقة بأكملها، مما سيُهدد إسرائيل ذاتها والمصالح الأمريكية.