القنابل الاقتصادية الصينية: حرب باردة جديدة تشتعل

نبض البلد -

 

صالح سليم الحموري


 


في عالم الاقتصاد، لم تعد الهيمنة تُقاس فقط بحجم الناتج المحلي الإجمالي أو قوة الأسواق المالية، بل أصبحت تُحدد بقدرة الدول على "السيطرة التكنولوجية والتأثير الاستراتيجي". خلال العقد الماضي، تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، لكن عام 2024 جاء مختلفًا؛ إذ أطلقت الصين سلسلة من "القنابل الاقتصادية" التي هزّت الأسواق الأمريكية، ليست بأسلحة تقليدية، بل بضربات تكنولوجية وتجارية قد تُعيد رسم موازين القوى العالمية.

بدأت "الموجة الأولى" مع شركة هواوي، التي تمكنت من كسر الحصار التكنولوجي الأمريكي واستعادة مكانتها بقوة. فبعد سنوات من العقوبات والقيود، ردّت الشركة الصينية بإطلاق هاتفها الجديد المزود بمعالج متطور محلي الصنع، متجاوزة القيود الأمريكية على أشباه الموصلات. هذا التحرك لم يكن مجرد نجاح تقني، بل إعلانًا بأن الصين قادرة على "الاستشراف والابتكار والاستقلال التكنولوجي" وبشكل استباقي بعيدًا عن الغرب، مما أثار قلقًا بالغًا في واشنطن. تلاه التحدي الرقمي الأكبر عبر منصة تيك توك، التي لم تعد مجرد تطبيق ترفيهي، بل باتت أداة "قوة ناعمة" قادرة على اختراق عقول الشباب الأمريكيين، والتحكم في تدفق المعلومات والتوجهات العامة. ورغم المحاولات المتكررة لحظره أو فرض قيود صارمة عليه، فإن تأثيره ونفوذه استمر في التصاعد، مما جعل السيطرة عليه شبه مستحيلة، "أمريكا هزمت الفيروس... لكن تيك توك استعصى عليها!"

لم تتوقف الهجمات عند هذا الحد، بل امتدت إلى قطاع السيارات الكهربائية، حيث أطلقت الصين "العاصفة الكهربائية" عبر شركات مثل BYD، التي بدأت تزاحم تسلا في
أسواقها التقليدية، ليس فقط في الصين، ولكن على مستوى عالمي. بأسعار تنافسية وجودة عالية، باتت السيارات الصينية تشكل تهديدًا حقيقيًا للهيمنة الأمريكية في هذا القطاع الحيوي، مما قد يُجبر تسلا على إعادة النظر في استراتيجياتها. وعلى الجبهة التكنولوجية الأوسع، كانت المفاجأة الأكبر دخول الصين بقوة في سباق الذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت نموذج DeepSeek لمنافسة GPT-4 من OpenAI، مما جعل الولايات المتحدة أمام تحدٍّ وجودي في مجال لطالما اعتُبر أحد آخر معاقل تفوقها التكنولوجي. لم يعد السباق مقتصرًا على وادي السيليكون، فقد بدأ العملاق الصيني في بناء أنظمة متطورة قد تغير ميزان القوة التكنولوجية بالكامل.

وفي أحدث الضربات، كشفت علي بابا عن قفزات نوعية في الخدمات السحابية، مما جعلها منافسًا مباشرًا لأمازون ومايكروسوفت في هذا المجال. ومع تزايد تبني الشركات العالمية للبنية التحتية السحابية الصينية، قد تجد أمريكا نفسها تفقد السيطرة على قطاع ظل لعقود أحد مصادر تفوقها الاقتصادي. أمام هذه الضربات المتتالية، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام لحظة حاسمة: إما أن تعزز استثماراتها في البحث والتطوير وتعيد ابتكار استراتيجياتها التكنولوجية، أو تواجه خطر التراجع أمام التنين الصيني، الذي يبدو مصممًا على الاستمرار في إسقاط المزيد من القنابل الاقتصادية خلال السنوات القادمة.

لقد أصبح من الواضح أن عصر "الهيمنة التقليدية" يقترب من نهايته، فالقوة لم تعد تُقاس فقط بالنفوذ