نبض البلد - حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
عالم اليوم يشهد تحولاً حقيقياً نحو استخدام تقنيات متقدمة قادرة على تحويل مياه البحر إلى مياه عذبة صالحة للشرب بكفاءة عالية، وبتكاليف أقل، ودون الإضرار بالبيئة. محطات تحلية المياه أصبحت قادرة على التنبؤ بدقة باحتياجات السكان من المياه، وتحسين استهلاك الطاقة، وتقديم حلول مبتكرة لمعالجة شح المياه في أكثر المناطق جفافاً. هذا ليس مجرد طموح مستقبلي، بل واقع يقترب بسرعة بفضل تطورات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، اللتين تعيدان تشكيل مستقبل الموارد المائية وتقديم حلول مستدامة للأجيال القادمة.
قطاع تحلية المياه، الذي يعد من أهم الحلول لمواجهة ندرة المياه، يمتلك إمكانيات هائلة لتبني هذه التقنيات الثورية. في عالم يتزايد فيه الطلب على المياه العذبة مع تزايد أعداد السكان والتغيرات المناخية، يصبح تبني الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية ضرورة استراتيجية وليست مجرد رفاهية.
الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة في إدارة عمليات تحلية المياه. باستخدام تحليل البيانات المتقدمة، يمكن لهذه التقنية تحسين أداء محطات التحلية من خلال مراقبة استهلاك الطاقة، التنبؤ بأعطال المعدات قبل حدوثها، وتقليل الفاقد في المياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالطلب الموسمي على المياه وإعادة توزيع الموارد بطريقة تضمن استدامة الإمدادات.
أما الحوسبة الكمية، فهي تمثل النقلة النوعية الحقيقية. هذه التقنية تمتلك القدرة على محاكاة العمليات الكيميائية والفيزيائية المعقدة التي تحدث في مراحل تحلية المياه، مما يتيح انتاج مواد جديدة للتحلية مثل تصميم أغشية مبتكرة أكثر كفاءة وأطول عمراً. كما يمكنها تحسين عمليات إزالة الأملاح والشوائب بشكل أسرع وبتكلفة أقل، مما يجعل التحلية خياراً اقتصادياً ومستداماً حتى للدول التي تواجه تحديات مالية.
لكن الابتكار في تحلية المياه لا يقتصر على تحسين التقنيات الحالية، بل يمتد إلى إيجاد حلول جذرية تتعامل مع الأثر البيئي لهذه الصناعة. أحد أكبر التحديات التي تواجه قطاع التحلية هو كيفية إدارة المخلفات الناتجة عن العملية، مثل المحلول الملحي. هنا يظهر دور الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية في تطوير استراتيجيات لإعادة استخدام هذه المخلفات في تطبيقات صناعية أو زراعية، مما يعزز من استدامة هذا القطاع.
على الشركات والمؤسسات العاملة في مجال تحلية المياه أن تدرك أن المنافسة لم تعد تتعلق بالقدرة على الإنتاج فقط، بل بالقدرة على الابتكار. العالم اليوم يطالب بحلول أكثر ذكاءً واستدامة لمشكلة شح المياه، والشركات التي تبادر إلى تبني التقنيات المتقدمة ستكون قادرة على تلبية هذا الطلب المتزايد وتثبيت مكانتها كلاعب رئيسي في السوق الإقليمي والدولي.
لتنفيذ هذا التحول، تحتاج الشركات إلى بناء شراكات استراتيجية مع الجامعات ومراكز البحث، والاستثمار في تدريب الكفاءات لتكون قادرة على إدارة وتشغيل هذه التقنيات المتطورة. كما أن التعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية سيساهم في تسريع عملية تبني الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية في هذا القطاع.
اخيرا، العالم يمر بتغيرات سريعة، وحاجة البشرية إلى حلول مبتكرة لتوفير المياه العذبة أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية هما المفتاح لتحقيق هذه الطموحات، والشركات التي تتخذ الخطوة الآن ستكون قادرة على قيادة مستقبل صناعة تحلية المياه. الشجاعة على الابتكار هي ما يصنع الفرق بين من يقود التغيير ومن يظل عالقاً في الماضي.