الأمير .. القرارات الجريئة

نبض البلد -
صالح سليم الحموري


في عصرٍ تحكمه التغيرات المتسارعة والتحديات الغامضة، لم تعد القرارات التقليدية كافية لعبور الأزمات وبناء المستقبل. بل أصبح لزامًا على القادة أن يتحلوا بالجرأة لاتخاذ قرارات غير اعتيادية، قرارات قادرة على صياغة واقع مختلف وفتح آفاق جديدة. اليوم، نحن نعيش في عالم يهيمن عليه "فوكا" (VUCA)، مصطلح يعبر عن الغموض، التعقيد، عدم اليقين، وسرعة التغيير. وفي خضم هذا المشهد المتقلب، يتحول القادة في القطاع العام إلى مهندسي التغيير وصناع المستقبل، عبر قرارات شجاعة وموجهة نحو تحقيق تطلعات مجتمعاتهم.

في الاجتماع الأول للمجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، ألقى سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، الضوء على أهمية الجرأة في القيادة. أكد سموه أن هذه المرحلة التاريخية تحتاج إلى قادة يرون في المجهول فرصة لا تهديدًا، قادة يؤمنون بأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع. وبتعبيره الملهم "بدنا نشوف الأردن بالمقدمة"، وضع الأمير الحسين حجر الأساس لرؤية استراتيجية تدعو إلى تحويل الفرص إلى إنجازات ملموسة، مع الاستعداد الدائم لمواجهة التحديات بروح الابتكار والإبداع.

القرارات الجريئة ليست مجرد خطوات عشوائية، بل هي أفعال مدروسة تخضع لرؤية مستقبلية واضحة، تتحدى المألوف وتكسر القواعد التقليدية بهدف تحقيق نتائج استثنائية تُحدث تغييرًا ملموسًا في حياة الأفراد والمجتمعات. ومع ذلك، فإن اتخاذ هذه القرارات يتطلب مزيجًا من الشجاعة والبصيرة والحكمة، إلى جانب قدرة استثنائية على التكيف مع المتغيرات.

إن طبيعة العالم اليوم، حيث الغموض والتغيرات التكنولوجية المتسارعة، تجعل القرارات التقليدية عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعوب. القائد الجريء هو من يدرك أن الغموض ليس عائقًا، بل فرصة لإعادة التفكير وابتكار الحلول. وفي ظل هذه التحديات، تصبح إدارة المخاطر عنصرًا محوريًا، حيث يُوازن القائد بين الجرأة في القرار وتقليل احتمالات الفشل، مستندًا إلى تخطيط مستدام يراعي التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

على أرض الواقع، تظهر أمثلة عديدة للقرارات الجريئة التي أحدثت تحولًا جذريًا. الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في تحسين الخدمات الحكومية، إطلاق مشاريع وطنية للتحول الرقمي، واعتماد سياسات تشجع على الابتكار وريادة الأعمال، هي مجرد نماذج للقرارات التي تعكس إرادة القيادة في مواجهة التحديات بمرونة وإبداع.

كلمات سمو الأمير الحسين في الاجتماع لم تكن موجهة فقط لأعضاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، بل حملت رسالة شاملة لكل قادة القطاع العام. دعوته كانت صريحة: تبنوا الجرأة، كونوا استباقيين، ولا تنتظروا المستقبل، بل اصنعوه بأنفسكم. في عالمٍ باتت التكنولوجيا فيه محركًا أساسيًا للتغيير، أكد الأمير على ضرورة امتلاك القادة والموظفين بالقطاع العام لمهارات جديدة، تتناسب مع طبيعة التحديات المعاصرة.

الجرأة هنا ليست مجرد قرارات صعبة، بل هي رؤية شاملة قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، والتحديات إلى إنجازات. إنها النقطة التي تميز بين الركود والتقدم، بين النجاح والفشل.

مع استمرار التغيرات السريعة، أصبحت الحاجة إلى قادة شجعان أكثر إلحاحًا. قادة قادرون على اتخاذ خطوات جريئة تُلهم مجتمعاتهم وتضعها على مسار النجاح. رؤية سمو ولي العهد لا تدعو فقط إلى التغيير، بل إلى قيادة التغيير بإبداع ورشاقة وشجاعة بعد استشراف المستقبل، وبإيمان قوي بأن الأردن قادر دائمًا على أن يكون في طليعة الدول.

القرارات الجريئة ليست خيارًا، بل هي مفتاح التميز والريادة في زمن التحولات الكبرى.

* خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية