حاتم النعيمات
ترامب رئيسًا للمرة الثانية، بدعم من أغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب هذه المرة، هذا كله بالإضافة إلى اصطفاف واضح خلف الرجل من قبل عمالقة التكنولوجيا في أمريكا، وأخص بالذكر هنا الشركات التي تملك منصات التواصل الاجتماعي؛ فهناك معالم تحالف قوي بدأت تظهر بين الإدارة الجديدة وهذه الشركات العملاقة.
المؤشرات على تكوُّن هذا التحالف باتت واضحة وهي: أولاً، الظهور القوي للملياردير الأمريكي إيلون ماسك (مالك منصة X) كداعم ومدافع شرس عن ترامب، والذي تم تعيينه لاحقًا كمسؤول في إدارة ترامب. ثانيًا، تراجع شركة ميتا عن قيود النشر التي كانت تتصادم مع توجهات اليمين الأمريكي -الذي يمثله ترامب اليوم- وخصوصًا في قضايا مثل المثلية والمهاجرين وغيرها من الملفات. ثالثًا، الضغط للاستحواذ على منصة تيك توك الصينية، عبر حجبها أولاً ثم محاولة شرائها (أو شراء جزء منها) من قبل جهات أمريكية وهذا العَرض جاء على لسان ترامب شخصيًا، والسيطرة على تيك توك هو مطلب مهم للمجتمع التكنولوجي الأمريكي لأنها شكلت منافسًا قويًا من خارج الولايات المتحدة.
التحالف الجديد بين الإدارة الجديدة وشركات التكنولوجيا يعني أن التحالف التقليدي بين الإدارات الأمريكية والمجمع الصناعي العسكري لم يعد بهذه الأهمية على ما يبدو. المجمع الصناعي العسكري هذا كان داعمًا (وربما محركًا) للكثير من الحروب والصراعات في العالم، وشكّل جزءًا مهمًا من السياسة الأمريكية والدولة العميقة بشكلها الكلاسيكي.
الدليل على أن الرئيس ترامب بدّل تحالفه مع المجمع الصناعي الأمريكي بتحالفه مع شركات التكنولوجيا هو أنه ركّز في الكثير من خطاباته على نقطتين أساسيتين: الأولى، مواجهة الدولة العميقة -التي حاولت سجنه- ويعتبر المجمع الصناعي العسكري جزءٌ منها، والثانية، إعلانه المتكرر أنه يريد إطفاء الحروب في العالم، وهذا بطبيعة الحال ما لن يعجب هذا المجمع إطلاقًا.
التحالف الجديد مع كبرى شبكات التواصل الاجتماعي قد يمنح ترامب ذراعًا عالمية أطول وأقوى، ولكن هذه الذراع لن تسعى للحروب كما كان يفعل المجمع الصناعي العسكري سابقًا، بل ستسعى إلى إحداث تغييرات اجتماعية كبيرة في العالم لتحقيق المصالح الأمريكية. وسيكون لذلك انعكاس واضح علي الصراع الدائر بين الصين (المنافس الاقتصادي الأول) والولايات المتحدة على إدارة الذكاء الاصطناعي.
على الصعيد الأردني، فقد تنبّه جلالة الملك لهذه التغيرات وأمر بتأسيس المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، بمتابعة من سمو ولي العهد. هذا المجلس، الذي يترأسه دولة رئيس الوزراء، يُعد إشارة على قدرة الدولة الأردنية على قراءة المستقبل والأدوات التي ستُعتمد لإدارة الاقتصاد، خصوصًا أن الأردن قد حصّل مراكزًا متقدمة في قضية الأمن السيبراني وحماية البيانات.
المجلس عنوانه التكنولوجيا، لكنه لن يكون مفصولاً عن التغييرات الاجتماعية المستقبلية المصاحبة لتحالف إدارة ترامب مع قطاع التكنولوجيا. لقد تعلمنا أن جميع دول العالم تتأثر بتوجهات الإدارات الأمريكية، شاءت أم أبت. لذا، فإن الدخول في المنظومة الجديدة عبر هذا المجلس والمؤسسات الأخرى المعنية سيكون من أهم القرارات التي يتخذها الأردن.
سياسيًا، يتمتع الأردن بقدرة مميزة على التواصل مع جميع أركان الدولة الأمريكية وشخصياتها الفاعلة. هذا النهج من السياسة الأردنية يجب أن يتم تعزيزه وتوثيقه، لتجنب تقلبات المزاج السياسي الأمريكي الذي أصبح حادًا في العقود الأخيرة.
محليًا، المطلوب هو إعادة رسم الخارطة السياسية، وتنقيتها من التيارات المرتبطة بالخارج، لتتضح الاستراتيجيات أولاً، ولتبدأ الذهنية العامة الأردنية بالتعافي من أثر التشويش الذي عانت منه لعقود بسبب هذه التيارات ثانيًا، فالاستقرار هو أهم ما يحتاجه نمو المجتمعات اقتصاديًا وخصوصًا فيما يخص التكنولوجيا واقتصاد المعرفة.