نبض البلد - حسين الجغبير
غريب هذا البلد، ففي الوقتِ الذي تعيشُ فيه المنطقة منذ سنوات أزمات سياسية وأمنية متتالية، وتشهد تصاعدًا في وتيرةِ الصراعات، وتُعتبر المملكة الأكثر تضررًا منها، إذ أن مكانتها الجغرافية تحتم عليها دفع ثمنًا كبيرًا جراء ما يجري، إلّا أنها وبفضل من الله ما تزال صامدة رغم الصعوبات الاقتصادية وشح الموارد الطبيعية التي تُعاني منها.
أي أن الأردن يعاني من جانبين، الأول خارجي بفضلِ الأحداث المحيطة، والثاني داخلي جراء فقرِ الدولة اقتصاديًا وماليًا، وهو الأمر الذي يزيد من التحديات المتوالية، والتي ولله الحمد نواصل تجاوزها بأقلِ الخسائر.
وفي ضوء كل ذلك، تصرُ الدولة على استشرافِ المستقبل، والنظر في رسم سياستها لما هو آت، وليس ما كان، أو ما نحن عليه اليوم، وخير دليل على ذلك كان تشكيل المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، وهو الهادف إلى تعزيزِ مكانة الأردن كدولةٍ متقدمة تكنولوجيًا.
لم تمضِ أيام على تشكيلِ المجلس، حتى ترأسَ سمو ولي العهد أمس أولى اجتماعاته، مؤكدًا سموه ضرورة تنفيذ مشاريع جديدة ونوعية تواكب المستقبل في قطاع التكنولوجيا، بما يخدم الاقتصاد الوطني، وعلى أهمية أن تنعكسَ أعمال المجلس على مشاريعِ الحكومة القائمة، مثل التحول الرقمي وإدارة البيانات، وتنمية الموارد البشرية التقنية، والتوسع باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الخبرات الأردنية متقدمة في هذا المجال، سواء التي يحتضنها البلد، أو تلك التي تعمل في الخارج وكان لها إسهامات كبيرة في بعضِ الدول، وقد أوصى سموه بالاستعانة بها خلال اجتماع أمس، بيد أن لتأكيد سموه على ضرورةِ اتخاذ قرارات جريئة ضمن خطط استراتيجية، للوصول إلى نتائجٍ واضحة وقابلة للقياس فلها مدلولات كبيرة، أبرزها أن التردد في العمل والهروب من المسؤولية واتخاذ القرار المناسب مهما كان كفيل بأن يفشل أي توجه نحو التحسن والتطور والأداء.
وللأسف هذا ما عانى منه الأردن مرارًا وتكرارًا ولسنوات طويلة، حيث أضعنا على أنفسنا سنوات كان من الممكن أن ننجز فيها الكثير، بسبب عدم قدرتنا على التعامل مع بعضِ الملفات التي تحتاج أحيانًا إلى تحديثٍ في التشريعات، أو كسر للبيروقراطية، أو تعديل للأنظمة والقوانين، أو لأسبابٍ نفسية وشخصية قوامها الركون والتمسك بالمنصب تخوفًا من الاجتهاد الخاطئ، مع أن الاجتهاد الخاطئ ليس بجريمة.
يجب أن تحدد الأولويات سريعًا لعمل هذا المجلس، خصوصًا وأن الأردن متقدم في قطاع التكنولوجيا، أي ليس علينا البدء من الصفر، وإنما العمل على ما أنجز بهدف التماشي مع التطور الدولي في هذا المجال، ووفق منهجية عمل، مرتبطة بالخطط قابلة التحقق، وبجدول زمني، ومؤشرات تقييم للأداء، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان خلال اجتماع المجلس أمس.
من شأنِ هذا المجلس أن يُعزز الاقتصاد الأردني، وهذا ما نحتاج فيه لنكون أقوى في مواجهة كل ما يجتاحنا من أزماتٍ بالمنطقة. التفكير بالمستقبل في ضوء ما يجري يعكس قوة هذا البلد وإرادته بأن يكون مختلفًا وأكثر تقدمًا، وهذا يزيدنا فخرًا واعتزازًا.