أحمد الضرابعة
يمكن قبول المنطق المُستخدم لتبرير السقطة السياسية في الخطاب الذي ألقاه القيادي في حركة حماس خليل الحية، عندما شكر خمس عشرة دولة لدورها في دعم القضية الفلسطينية وأهالي غزة، مع استثناءه الأردن، لو كان صادرًا عن فرد يرتجل الكلام في السياسة، والظهور الإعلامي، ولكن عندما يأتي هذا الاستثناء من قيادي بارز في حركة سياسية، فإن ذلك يعد إشارة غير مباشرة على وجود موقف سلبي تجاه الأردن، التي طوّعت سياستها الخارجية، وكرّست جهودها الإغاثية على المستويين، الرسمي والشعبي، لتمكين أهالي قطاع غزة من الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي وإحباط مساعي تهجيرهم.
لا بد من نزع النظارة "العاطفية" عند قراءة أي خطاب سياسي، وتحليل مضمونه، دون افتراضات مُسبقة، ويجب التذكُّر أن كل كلمة وجملة فيه، مدروسة بعناية، ومُحمّلة بالرسائل المُبطّنة التي يُراد منها أن تترك أثرًا ما، وكذلك الأمر، فإنه عندما يخلو من الإشارة لعناصر جوهرية ضمن السياق الذي يتناوله، فقد يدل ذلك على نيّة مسبقة في إيصال رسالة معيّنة أيضًا، وبالتالي، فإن التعامل مع هذا الأمر، يجب أن يتم وفق منهجية سياسية، بعيدًا عن براءة الأطفال ومحاولات البعض - جهلاً أو تعمدًا - فرض نهج ساذج على الدولة الأردنية ومؤسساتها، في إدارة مواقفها وتفاعلاتها الإقليمية والدولية المختلفة.
تملك الدولة الأردنية رؤية أرحب وأشمل من مجرد التركيز على استحقاقها الشكر الذي وزّعته حركة حماس في بيانها حول اتفاق وقف إطلاق النار الذي ألقاه خليل الحية، وهي تدرك أن التزاماتها القومية والدينية المنبثقة عن الثورة العربية الكبرى التي وُلدت من رحمها، تُحتّم عليها الترفّع عن مثل هذه التفصيلات، فمواقفها الداعمة للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، والعراقيين، لم تنتظر مقابلها أي أثمان سياسية أو اقتصادية، ولكن عندما يتداخل الشكر مع السياسة، يكون من المهم والمُنصف، الاعتراف بأدوار الأردن ومواقفه المتقدمة، ليس من أجل المجاملة، وإنما لتقدير جهوده المتواصلة في مجالي السياسة والإغاثة مثل غيره من الدول، والتي لم يقدم الأردن مثلها، بل أعظم مما قدمته، رغم فارق الإمكانات، وهذا يستحق الوقوف عنده، لا القفز عنه وتجاهله، وهو ما أدركه قياديّون آخرون في حركة حماس، أشادوا بدور الأردن ومواقفه، وأعربوا عن تقديرهم لذلك، بعد سقطة الحية السياسية.