المدافع صمتت، والتصريحات بدأت حربها حول الشرق الأوسط الجديد
المومني: الأردن حاضر ولا يمكن تجاوزه رغم عدم جلوسه على طاولة التفاوض
ترامب وفريقه يريدون دخول السعودية على المسار الإبراهيمي بأي ثمن
السعودية: إقامة الدولة الفلسطينية أولاً
الأنباط – قصي أدهم
في الوقت الذي ينشغل فيه الشارع السياسي والشارع الشعبي العربي عمومًا، والأردني على وجه الخصوص، بتصنيف الهدنة الموقعة بين حماس وحكومة الاحتلال نصرًا أم هزيمة، ينسى كثيرون أن أسئلة كبرى تنتظر الإجابة فجر اليوم التالي، وسيكون الأردن، الدولة، أكثر الأطراف المطلوب منه الإجابة على أسئلة ما بعد الهدنة.
فصبيحة اليوم التالي لوقف القصف والحرب الإبادية على غزة، سيستيقظ العالم على دونالد ترامب وهو يجلس على مقعد القيادة، وسط حالة من عدم اليقين في المنطقة العربية على وجه الخصوص، وكثير من النقاط الساخنة في العالم. لكن ما يعنينا هو الحالة العربية بعد أن بدأ ترامب مبكرًا في رسم شكل الشرق الأوسط الجديد، حتى قبل جلوسه على مقعد القيادة.
فكل التقارير العالمية تقول: إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ في إعادة تشكيل الشرق الأوسط حتى قبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، موضحة أن ترامب كان له دور مؤثر في دفع إسرائيل إلى الموافقة على الهدنة في لبنان. وبحسب المحللين، فإن صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة ستعزز سلطة ترامب على الدول العربية التي ساعدت في التوسط للوصول إلى الهدنة، وعلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
التهدئات أو تبريد نقاط السخونة في الشرق الأوسط ليست نهاية المطاف، بل تفتح أبواب أسئلة أكثر تعقيدًا تتعلق بالشرق الأوسط، ومن أبرزها: من الذي يجب أن يحكم غزة بعد الحرب؟ وما إذا كان ينبغي تمكين اليمين المتطرف في "إسرائيل" أو تقييده لتحقيق صفقة كبرى أساسها توقيع اتفاقية سلام مع السعودية؟ أم أنه ما زال مؤمنًا بصفقة القرن سيئة الصيت؟
وما هو موقفه من أجندة اليمين الصهيوني "الطموحة"، حيث يحلمون بإعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة وضم الضفة الغربية، بعد أن تفتحت شهيتهم بالتوغلات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان وسوريا، في ضوء أن بنيامين نتنياهو لم يتعهد بالتخلي عن سياسة الضم إلى الأبد. فهو ترك الباب مفتوحًا، ربما للحفاظ على تماسك حكومته اليمينية، وربما لأنه ينتظر فعلاً وصول ترامب إلى مقعد القيادة وإعادة أحلام صفقة القرن الموءودة، فمشروع إسرائيل التوسعي يحظى بدعم من داخل مجموعة مستشاري ترامب، وعلى رأسهم السفير الأمريكي إلى إسرائيل مايك هاكابي.
هذه الأسئلة تطفو سريعًا على السطح، ملقية بأعباء الإجابة على مصر والأردن حصرًا، وسط وضوح في الموقف الأردني الرسمي، سواء على لسان الملك الذي ما زال ثابتًا على لاءاته الثلاث المعروفة، أو لسان حكومته. فقد أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة، وزير الاتصال الحكومي محمد المومني، أن الأردن حاضر في أي مشروع يستهدف القضية الفلسطينية، وهو ليس غائبًا رغم عدم جلوسه على طاولة المفاوضات الأخيرة. لكن المقلق هو الإشارات القادمة من فريق ترامب، الذين يبحثون عن دعم إسرائيل بشتى السبل، ويستهدفون الشقيقة السعودية لضمها إلى المسار الإبراهيمي بأي ثمن، دون مراعاة الحسابات الأخرى.
صحيح أن السعودية تبقى عاملاً رئيسيًا في المعادلة العربية مؤخرًا، وهم ملتزمون بموقفهم الثابت، حيث يريد السعوديون التزامًا إسرائيليًا موثوقًا به بإقامة الدولة الفلسطينية. وهذا الهدف يتطلب إعادة ضبط السياسة الإسرائيلية الحالية أولاً، ثم توحيد المواقف العربية التي تتراوح بين الصمت وبين عدم الاهتمام أصلاً. وثمة اشتراطات عربية كثيرة بأن موقفهم من الانغماس في القضية الفلسطينية يتطلب إبعاد حركة حماس عن السلطة بالكامل، دون وجود بدائل سهلة لحكم القطاع.
مطبخ صنع القرار في الأردن مشغول بكل هذه الأسئلة ويحاول إيجاد إجابات عليها، لكنه متريث قليلاً وينتظر إفصاحات عربية وغربية. والمهم الإفصاح المصري، الحليف للأردن، عن شكل القادم في غزة، وينتظر إجابات عن حالة الحكم في سوريا ومصير السلطة الفلسطينية التي نطقت أخيرًا بقدرتها على إدارة ملف غزة. لكن كما أسلفنا: من يملك منحها السلطة قبل حسم الأمر مع حماس، في ظل تأخر مشروع المصالحة الفلسطينية؟
أسئلة حرجة وإجاباتها ليست بالضرورة أردنية، لكنها على الأقل تتطلب أن يكون لدينا مشروعًا وطنيًا لمواجهة كل هذه الأسئلة التي تحتمل إجاباتها سيناريوهات في معظمها ظالمة.