المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل

نبض البلد -

صالح سليم الحموري

خطوة نحو ريادة المستقبل، في عالم يتغير بوتيرة متسارعة بفعل التقدم التكنولوجي، أصبحت الحاجة إلى مؤسسات قادرة على استشراف المستقبل وإدارة التحولات التقنية ضرورة ملحّة، حيث أن التحديات التي يفرضها هذا الواقع الجديد تتطلب رؤية شاملة ونهجًا استباقيًا، وهنا يأتي دور المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل كمبادرة وطنية رائدة تهدف إلى وضع المملكة على خارطة الريادة التكنولوجية العالمية.

بتوجيه من جلالة الملك عبد الله الثاني إلى رئيس الوزراء، وبإشراف مباشر من ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، يأتي تشكيل المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل كخطوة استراتيجية نحو تعزيز مكانة الأردن كمركز ريادي في مجالات التكنولوجيا والابتكار. يهدف هذا المجلس إلى أن يكون أكثر من مجرد هيئة استشارية؛ بل إطارًا شاملاً يدمج بين الخبرات الوطنية والموارد التقنية لتحقيق رؤية مستقبلية تخدم الأجيال القادمة.

من المؤمل أن يصبح المجلس منصة متكاملة تعمل على توحيد جهود المؤسسات الحكومية والخاصة، والجامعات، ومراكز البحث العلمي. يسعى المجلس لتحقيق قفزة نوعية في توظيف التكنولوجيا، ليس فقط لتعزيز الكفاءة والابتكار، بل أيضًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تضمن للأردن موقعًا متقدمًا في الاقتصاد الرقمي والتحولات التقنية العالمية.

المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل سيُعد نافذة المملكة على عالم متغير تُسيّره التكنولوجيا المتقدمة. من المتوقع أن يهدف المجلس إلى تحقيق عدة محاور رئيسية تضمن للمملكة دورًا رياديًا في مجالات التكنولوجيا المستقبلية:

أولاً، استشراف المستقبل التكنولوجي.هذا يعني فهم التوجهات العالمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، تقنيات الجيل الخامس، والبلوكتشين، والعمل على تحليل الفرص والتحديات المرتبطة بها لضمان جاهزية المملكة لأي تطورات مستقبلية.

ثانيًا، بناء السياسات الوطنية التي تواكب التحولات التقنية وتُسهم في تعزيز مختلف القطاعات الحيوية. من خلال صياغة أطر تنظيمية وتشريعية، يسعى المجلس إلى تعزيز تبني التكنولوجيا في مجالات الصحة والتعليم والأمن والبنية التحتية.

ثالثًا، تعزيز الابتكار كمحرك أساسي للتقدم. يعمل المجلس على دعم المشاريع البحثية وتشجيع الابتكارات الوطنية التي تُسهم في تطوير حلول تكنولوجية فريدة، مما يمهد الطريق أمام رواد الأعمال لتبني أفكار تقنية مبتكرة.

رابعًا، تأهيل الكفاءات الوطنية لتكون قادرة على قيادة مسيرة التحول الرقمي. من خلال برامج تدريبية متقدمة، يسعى المجلس لإعداد جيل من الكفاءات يمتلك المهارات اللازمة للتعامل مع التقنيات الحديثة وتطويرها.

خامسًا، تعزيز التعاون الدولي عبر بناء شراكات استراتيجية مع المؤسسات العالمية الرائدة. هذا التعاون يضمن نقل المعرفة وأفضل الممارسات، ويُعزز من مكانة المملكة كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي.

لتحقيق أهدافه، سيركز المجلس على خمس مجالات رئيسية. أولها، الذكاء الاصطناعي، حيث سيعمل على وضع سياسات تدعم استخدام هذه التقنية لتحسين جودة الحياة وتعزيز الكفاءة في القطاعات المختلفة. ثانيها، الاقتصاد الرقمي الذي يمثل عصب المستقبل الاقتصادي للمملكة، من خلال تعزيز دور التكنولوجيا في خلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.

ثالث هذه المجالات هو الأمن السيبراني، حيث سيضع المجلس استراتيجيات متقدمة لحماية البنية التحتية الرقمية وتأمين البيانات الوطنية. رابعًا، التكنولوجيا الخضراء التي تُسهم في الحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة. وأخيرًا، الابتكار في التعليم، وهو أمر حيوي لتحسين جودة التعليم وتهيئة الطلاب لوظائف المستقبل.

من الأمثلة الملهمة التي يمكن الاستفادة منها في عمل المجلس، تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال استشراف المستقبل التكنولوجي. مبادرات مثل "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031" و"مئوية الإمارات 2071" تقدم دروسًا قيّمة في كيفية الاستثمار في التكنولوجيا لتحقيق التنمية الشاملة. هذه التجارب تؤكد أهمية التخطيط طويل الأمد، والاعتماد على الابتكار كوسيلة لتعزيز مكانة الدولة عالميًا.

إن إنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل ليس مجرد خطوة تنظيمية، بل هو إعلان عن التزام المملكة بمواكبة التغيرات العالمية والاستفادة منها لتعزيز التنمية الوطنية. المجلس يجسد رؤية وطنية تتطلع إلى بناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، حيث تكون التكنولوجيا أداة للابتكار، وقوة دافعة لتحقيق الأهداف التنموية.

إنها دعوة للعمل والتفكير طويل الأمد، حيث يصبح المجلس جسرًا يعبر بالمملكة نحو مستقبل مشرق، مليء بالفرص، مدعومًا برؤية استراتيجية تضع الإنسان والتكنولوجيا في قلب التنمية.فالمستقبل يبدأ الآن.

خبير التدريب والتطوير

كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية