هل نملك رؤية استراتيجية شاملة لإدارة المباني الدبلوماسية؟
الأردن يمتلك 57 سفارة و11 قنصلية حول العالم
مصدر لـ"الأنباط": أعباء مالية كبيرة ترتبط بالمباني الدبلوماسية
الأنباط - ليث حبش
المباني الدبلوماسية التابعة للمملكة حول العالم هي جزء مهم من منظومةِ العمل الدبلوماسي، حيث تمثل رمزًا للسيادة الأردنية وتُستخدم لتقديم الخدمات القنصلية وتعزيز العلاقات الثنائية مع الدولِ الأخرى، إلّا أن هذه المباني، التي غالبًا ما تكون مُكلفة لوجودها في مواقع استراتيجية، تُشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة في ظلِّ الحاجة المستمرة للصيانة والتطوير، ومع ذلك، فإن محاولات الاستثمار في هذه المباني تواجه تحديات كبيرة تحول دون تحقيق أي استفادة اقتصادية منها.
وفقًا لتقارير رسمية، يمتلك الأردن 57 سفارة و11 قنصلية حول العالم، بالإضافة إلى بعثات دائمة لدى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وتُشكل هذه المباني جزءًا أساسيًا من البنية التحتية الدبلوماسية التي تدعم تمثيل الأردن في الساحةِ الدولية.
تمتد هذه المباني عبر قارات مختلفة، حيث تقع بعض السفارات والقنصليات في مدن عالمية كبرى مثل واشنطن ولندن وباريس، بينما توجد أخرى في عواصم إقليمية وأفريقية لدعم العلاقات الثنائية مع الدول النامية هذه الشبكة الواسعة تعزز حضور الأردن الدولي، لكنها في الوقتِ ذاته تُضاعف التحديات المالية والإدارية المرتبطة بصيانة وتشغيل هذه المباني، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف العقارات في المدن الكبرى.
وفقًا لمصدر خاص تحدث لـ"الأنباط"، فإن الأعباء المالية المرتبطة بالمباني الدبلوماسية تتزايد مع مرور الوقت، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الصيانة والتشغيل في الدول المضيفة وأكد المصدر أن بعض هذه المباني، التي تستأجرهاالدولة الأردنية، تقع في مدنٍ عالمية كبرى حيث تكون تكلفة العقارات مرتفعة للغاية وأوضح: "الحفاظ على هذه المباني وتشغيلها يتطلب ميزانيات ضخمة، ما يضع ضغوطًا على خزينة الدولة في وقت تسعى فيه الحكومة لترشيد الإنفاق".
من الجدير بالذكر أن هناك بعض السفارات الأجنبية في الأردن التي تعتمد على تملك مبانيها بدلاً من استئجارها، وهو ما يتيح لها تحقيق وفورات مالية كبيرة على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، تمتلك السفارة الأمريكية في عمان مجمعًا دبلوماسيًا متكاملاً يقع في منطقة عبدون، وقد تم تصميمه ليشمل مبنى السفارة الرئيسي وأماكن إقامة للموظفين ومساحات أخرى مخصصة للأنشطة الثقافية.
كما تمتلك السفارة الفرنسية مبناها الخاص في منطقة جبل الويبدة، وهو مبنى تاريخي يعكس طابع العمارة الكلاسيكية، ما يضفي عليه قيمة دبلوماسية وثقافية كبيرة.
أما السفارة البريطانية، فهي تمتلك مقرًا مميزًا في منطقة جبل عمان، ويعتبر أحد أقدم المباني الدبلوماسية في الأردن، حيث تم تصميمه ليلبي الاحتياجات الدبلوماسية والثقافية للمملكة المتحدة.
وتُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن لتملك المباني أن يخفف من الأعباء المالية للدول على المدى البعيد، مقارنة بالاستئجار، الذي يمثل تكلفة مستمرة، خاصة في المناطق التي تشهد ارتفاعًا مستمرًا في أسعار العقارات ويمكن أن تلهم هذه التجارب المملكة الأردنية الهاشمية لتبني استراتيجيات مشابهة، سواء عبر تملك المباني أو البحث عن بدائل مبتكرة لتخفيف الأعباء المرتبطة بها.
ومن جانبه، أكد مصدر آخر لـ"الأنباط" أن الاستثمار في المباني الدبلوماسية ليس بالأمر السهل، نظرًا للشروط القانونية والدبلوماسية التي تحكم استخدام هذه العقارات وأكد أن هذه المباني يجب أن تحتفظ بطابعها الدبلوماسي وأن تكون مملوكة للدولة، ولا يمكن تحويلها إلى مشاريع ذات طابع تجاري، ما يعقد أي محاولة لتحقيق عوائد مالية منها وأوضح: "القوانين الدولية تحظر تغيير طبيعة هذه المباني، كما أن الاتفاقيات مع الدول المضيفة تفرض قيودًا على أي استخدام غير دبلوماسي".
وأشارَ المصدر إلى أن قضية استثمار المباني الدبلوماسية ليست جديدة، حيث طُرحت على طاولة النقاش منذ أكثر من 18 عامًا وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت لإيجاد حلول لهذه القضية، إلا أن أي تقدم ملموس لم يتحقق حتى الآن، وأوضح أن العوائق القانونية والسياسية تحول دون تحقيق اختراق في هذا الملف، قائلاً: "المسألة ليست فقط في القوانين المحلية أو الدولية، ولكن أيضًا في غياب رؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الأصول".
وفيما يتعلق بمنازل السفراء، أكد المصدر أن هذه المسألة لم تُطرح للنقاش حتى الآن، على الرغم من أن هذه المنازل تشكل جزءًا من التكاليف المرتبطة بالعمل الدبلوماسي وأشار إلى أن منازل السفراء غالبًا ما تُستأجر بمبالغ كبيرة أو تُشترى في مواقع فاخرة، مما يزيد من الأعباء المالية.
ويرى خبراء في الشؤون الدبلوماسية والاقتصادية أن الحلول الممكنة للتخفيف من أعباء المباني الدبلوماسية قد تكون محدودة، لكنها ليست مستحيلة ومن بين هذه الحلول البحث عن شراكات دولية لتمويل بعض النفقات أو استحداث آليات تمويل مبتكرة كما يمكن التفكير في استغلال المساحات غير المستخدمة في هذه المباني لتقديم خدمات متعلقة بالدبلوماسية الثقافية أو الاقتصادية، مع الحفاظ على الطابع الدبلوماسي للعقار.
وعلى الرغم من التحديات المالية المرتبطة بهذه المباني، فإنها تلعب دورًا حيويًا في تعزيز مكانة الأردن على الساحة الدولية فوجود سفارات وقنصليات في مختلف دول العالم يساهم في تسهيل تقديم الخدمات للمواطنين الأردنيين في الخارج وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الأخرى إلى أن تقليص عدد هذه المباني أو التخلي عن بعضها قد يُضعف الدور الأردني على المستوى الدولي.
وتُظهر القضية الحاجة إلى وضع رؤية استراتيجية شاملة لإدارة المباني الدبلوماسية بشكلٍ يوازن بين متطلبات العمل الدبلوماسي والاعتبارات الاقتصادية. ويجب أن تتضمنَ هذه الرؤية خططًا لترشيد النفقات واستكشاف فرص التعاون الدولي، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الطابع السيادي لهذه المباني.
وتظل قضية المباني الدبلوماسية تحديًا ماليًا وإداريًا كبيرًا أمام الدولة الأردنية، وبينما تتزايد الدعوات لإيجاد حلول لتخفيف الأعباء، فإن الحاجة إلى سياسات مبتكرة ومستدامة تزداد إلحاحًا لضمان استثمار هذه الأصول بطريقة تعزز مكانة الأردن دون المساس بسيادة المملكة.