نبض البلد - د. أيوب أبو دية
تطور الظروف الموضوعية في بيئة ما يؤثر بشكل كبير على الفن والشعر، حيث تتفاعل التغيرات السياسية، الاقتصادية، والثقافية مع الإبداع الفني والأدبي، مما يؤدي إلى تحولات في الأسلوب، الموضوعات، والرؤية الفنية. فلنقدم لكم أمثلة من الشعر والفن العربي والانجليزي.
في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تأثر العالم العربي بتغيرات سياسية واجتماعية كبيرة نتيجة الحركات الإصلاحية والاستعمار والنهضة الثقافية. أدى ذلك إلى تحولات في الشعر والفن العربي، حيث انتقل الشعراء من الأساليب التقليدية إلى التعبير عن قضايا معاصرة بشكل أكثر حداثة. ظهرت موضوعات جديدة كالوطنية، الحرية، الإصلاح الاجتماعي، العلمانية، الاشتراكية، القومية، وتأثرت الأساليب والمناهج بالأدب الغربي.
الشاعر محمود سامي البارودي قاد حركة التجديد الشعري التي أطلق عليها "إحياء النموذج"، حيث أعاد الاهتمام بالشعر العمودي، لكنه تناول موضوعات عصرية مثل القومية والحرية. ويعد احمد شوقي مثالاً على تأثر الشعراء العرب بالتغيرات السياسية والثقافية، حيث كتب عن الحريات والثورات إلى جانب التمسك بالتراث. مثال من قصيدته في رثاء مصطفى كامل: "وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياء. وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ".
وفي الفن أيضًا، تأثرت اللوحات والعمارة بفكر النهضة والحداثة، حيث ظهرت محاولات للابتكار والتجديد في التشكيل الفني مع ظهور مدارس الفن الحديث في العالم العربي. ولا شك أن العمارة الحديثة من حولنا تحيلنا إلى عمارة لندن ونيويورك الحديثة، وخاصة في الابنية التجارية.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر، شهدت إنجلترا نهضة أدبية كبيرة مع ظهور شعراء عظماء مثل وليام شكسبير، جون ميلتون، وإدموند سبنسر. هذا العصر تزامن مع تغييرات اجتماعية وسياسية هائلة، مثل الإصلاح الديني، وتطور الطبقة البرجوازية، وزيادة الاستكشافات الجغرافية. هذه التغيرات أثرت بشكل مباشر على الشعر والفن، حيث ظهر تعبير أكثر تنوعًا عن الفردية، والمشاعر، والطبيعة الإنسانية.
وليام شكسبير في مسرحياته عبّر عن مواضيع الحب، الموت، والطبيعة الإنسانية بأسلوب مبتكر يمزيج بين الشعر والمسرح. وجون ميلتون في قصيدته الملحمية "الفردوس المفقود" (Paradise Lost)، تناول مواضيع الدين والصراع بين الخير والشر، مع تأثير واضح من التحولات الدينية والسياسية في إنجلترا خلال تلك الفترة والخروج عن المألوف، كما فعل في "الفردوس المفقود"، وكما فعل أبو العلاء المعري في رسالة الغفران.
في كلا الثقافتين، العربية والإنجليزية، كانت التغيرات السياسية والاجتماعية عاملًا رئيسيًا في تعديل الفنون وتطوير الشعر. في العصرين، تحولت الفنون من التركيز على الأنماط التقليدية إلى التجديد والتعبير عن موضوعات حديثة تعكس تطلعات الإنسان ومواقفه تجاه العالم المتغير. فإذا لم يتغير الإنسان وفقا للمتغيرات على الساحتين المحلية والعالمية، فلن يبقى له أمل في البقاء.