السوريون الجُدد في عمّان

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

تستمر الوفود الرسمية رفيعة المستوى في التنقل بين العواصم العربية والأجنبية، كان آخرها زيارتان مهمتان، إحداهما أردنية إلى تركيا، والأخرى سوريّة إلى الأردن الذي سبق أن استضاف الفواعل الإقليمية والدولية التي يملك كل منها نفوذه وتأثيره في سورية الجديدة وتصوّراته لمستقبلها، وذلك لنزع احتمالات الاستقطاب والتنافس فيما بينها على حساب المصالح السورية ذاتها، وأمن المنطقة واستقرارها، وهو ما تم عبر إعلان العقبة الذي يُعد اليوم مرجعيّة أساسية يضمن الالتزام بها مصالح الأطراف السورية والعربية والتركية والدولية، وبناءً عليه، أصبحت التحركات السياسية للدول الموقعة على هذا الإعلان بشأن سورية، محددة الأطر والأهداف. غير أن هناك خصوصية للعلاقات الأردنية - السورية، بحكم الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والمصالح الأمنية والاقتصادية، والتي لا بد أن يتم التباحث فيها ضمن إطار ثنائي مباشر، وهو ما تم التمهيد له منذ أن حطت طائرة وزير الخارجية أيمن الصفدي في دمشق، ليكون أول وزير عربي يزورها بعد إسقاط حكم الأسد، ويلتقي رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، والتي أعقبها أمس، زيارة سورية مهمة إلى الأردن.

إن التركيبة السياسية والعسكرية والأمنية للوفد السوري الذي زار الأردن، تُعبّر عن بدء الانتقال إلى الجانب الفني والتطبيقي للتفاهمات بين الجانبين لحفظ مصالح كل منهما في المرحلة الانتقالية، والتي تشمل التعاون الأمني ومكافحة التطرف والإرهاب الذي يُخشى من أن يُطل شبحه على المنطقة من جديد، والتنسيق العسكري لضمان سلامة الحدود بين البلدين ووضع حد لعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات، إلى جانب التعاون الاقتصادي عن طريق فتح قنوات التجارة وتسهيلها، والاستثمار وإعادة الإعمار، والتوافق بشأن حصة الأردن المائية من مياه نهر اليرموك التي حبسها عنه نظام الأسد، إضافة إلى الدعم السياسي للإدارة السورية لتمكينها من بسط سيادتها على كامل التراب الوطني السوري، الذي تحتل إسرائيل والفصائل الكردية أجزاءً كبيرة منه، وهو ما يهدد وحدة سورية الجغرافية. وقد دعا الأردن عبر وزير الخارجية أيمن الصفدي أكثر من مرة إلى منح الإدارة الجديدة في سورية الفرصة، وهو يدرك أنها تحتاج إلى مساندة دبلوماسية لكسب الشرعية الدولية، وقد ألمح إلى ذلك نظيره السوري أسعد الشيباني في المؤتمر الصحفي الذي عُقد أمس في عمّان.

أخيرًا، يتحرك الأردن في الساحة السورية انطلاقًا من اعتبارات سياسية واقعية، وفي ظل تسارع الأحداث الإقليمية، لا بد أن تكون الاستجابة لها فورية، بما يضمن تحصيل الفرص والمكاسب الممكنة، التي قد لا تتكرر.