حاتم النعيمات
على إثر تراجع ما يُسمى بمحور المقاومة بعد الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا، تتسلَّط الأضواء مجددًا على الضفة الغربية، حيث قامت قوى الأمن الفلسطينية بالسيطرة على مناطق كانت تتواجد فيها مليشيات تابعة لإيران، أبرزها الكتيبة 313 في جنين، وهذا القوى بالمناسبة لا تنكر علاقتها بإيران نهائيًا.
تحرُّك قوى الأمن الفلسطينية جاء نتيجة إدراك القيادة هناك أن اللعبة أصبحت واضحة للجميع. هذه اللعبة تتمثل في وجود قوة عسكرية "ضعيفة" تُستغل كذريعة من قِبل إسرائيل لاحتلال الأراضي وتهجير السكان وتدمير البنية التحتية وتنفيذ المخططات الاستيطانية. والجميع يدرك أن الضفة الغربية هي الأرض الأقدس والأهم في الأدبيات الصهيونية، وأن السيطرة عليها تعني نهاية آخر أمل لقيام الدولة الفلسطينية.
وقد يقول قائل أن إسرائيل لا تحتاج لذرائع للتحرك بأي اتجاه وهذا القول يراد به الإمعان في الحالة العبثية من الصراع؛ فالإسرائيلي هو أكثر من يحتاج الذرائع خصوصًا في الضفة الغربية التي تسميها الولايات المتحدة ذاتها أرضًا محتلة.
السباق الآن يدور حول سحب الذرائع من اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، وفي الوقت نفسه إفشال أي محاولات من إيران لاستخدام الوضع في الضفة الغربية كصاعق تفجير لإشعال صراع جديد سيؤثر هذه المرة بشكل مباشر وكبير على الأردن.
لذلك فالأردن ملزم اليوم بتعزيز الدعم السياسي والدبلوماسي وبكل الإمكانيات للسلطة الفلسطينية في معركتها ضد أذرع إيران في الضفة، وهذا الالتزام ينبع من بُعد استراتيجي يتصل بالديموغرافيا ومشاريع التهجير والتوطين، إضافة إلى محاولات دفن الدولة الفلسطينية، .
ورغم البروباغندا التي قد تُشن ضد السلطة الفلسطينية بتصويرها وكأنها تقمع قوى "مقاومة”، إلا أن الخيار الأفضل هو الالتفات للميدان فالمنطقة لم تعد تحتمل الانجرار وراء الحملات الإعلامية. العنوان اليوم هو السيطرة والضبط بالقوة العسكرية.
إذن، هذه معركة أردنية أيضًا، وتمس الأردن بشكل كبير. وقد لفتني تصريحات قادمة من طهران -بعد سقوط نظام الأسد في سوريا- تشير إلى سعي إيران "لإعادة تشكيل" محور المقاومة، بما في ذلك خطوط إمداد جديدة وربما وكلاء جدد. وجود مليشيات تابعة لإيران في الضفة يعني طموحها لمد خطوط إمداد تمر عبر الأردن، لا يوجد تفسير جغرافي غير ذلك.
ورغم أن هذه التصريحات قد تهدف إلى تهدئة جمهور المحور من هول الخسائر خلال العام الماضي، إلا أن التعامل معها يجب أن يكون جادًا، وأي محاولات لخلق فوضى داخل الأردن يجب أن تُؤخذ على محمل الخطورة. الجميع يدرك أن الفوضى هي البيئة المثالية لنمو الطموح الإيراني في أي دولة.
الأردن دولة قوية بقيادتها وجيشها وأجهزتها الأمنية، لكن هذه القوة تحتاج إلى ظهير شعبي يُدرك خطورة الموقف ويكون سدًا منيعًا أمام الحملات الإعلامية. هذا الظهير الشعبي سيُعزز من سرعة وقوة تحركات الدولة. باختصار، هذه معركة استباقية علينا أن نتابع مستجداتها ونكون قريبين من تطوراتها قدر الإمكان.