تتصاعد الاحداث يوماً بعد يوم في الداخل السوري ويبدو ان الصراع الذي كنا نظن انه اتجه الى الركود والهدوء في الأربع سنوات الماضية ها هو يعود للواجهة من جديد وبصورة أعنف من سابقاتها، مدينة حلب تمت السيطرة عليها خلال ساعات معدودة من قبل المعارضة السورية مستغلةً أوضاع الإقليم وعلى وجه التحديد الوضع السوري المتأزم الضائع بين حلقات مفرغة بين امداد المقاومة بالدعم العسكري وبين العدوان الإسرائيلي اليومي الذي ينتهك السيادة السورية.
في هذا المقال اسعى من خلاله الى تسليط الضوء على عدة نقاط محاولاً ان اطرح تساؤلات منطقية تتماشى مع إجابات واقعية.
إسرائيل وحرب الوكالة على سورية
مما لا شك فيه ان نتنياهو يحاول بشتى الطرق زعزعة المنطقة محاولاً بذلك إزالة الغبار عن بعض الملفات العالقة من عقود في مجلد الشرق الأوسط, رئيس الوزراء الإسرائيلي كان واضحاً من البداية انه يريد تفتيت المقاومة في المنطقة حفاظاً على امن دولة إسرائيل الاستعمارية, فنتنياهو لا يزال يتألم من احداث السابع من أكتوبر ولا تزال خسائر الكيان تتضاعف يوماً بعد اليوم, ولعل وقف اطلاق النار جاء بعد ادراك نتنياهو ان فتحجبهة حرب على حزب الله من الأساس لم يكن بالفكرة الجيدة, كل هذا التصعيد حاول به نتنياهو كسب التأييد الجماهيري من مواطني الكيان وهو على يقين تام بأن فتح هذه الجبهة لن يثمر بأي نتائج تعود بالنفع على إسرائيل.
والان مع وقف النار المتفق عليه في لبنان يحاول نتنياهو اللعب من تحت الطاولة بتحريك بعض البيادق الخفية في سورية للاشتباك مع عناصر النظام السوري والقوات الموالية له لأشغال المقاومة وإيران بالملف السوري الشائك منذ سنوات وجعل هذه الجماعات تستغل الظروف الحالية للتحرك وتنفيذ مخططاتها.
المعارضة لتركيا: سمعاً وطاعة
اردوغان يأذن بالتحرك لهذه الجماعات ضد النظام السوري خصوصاً في ظل امداد هؤلاء العناصر بالعديد من الأسلحة الأوكرانية والتركية والغربية والقدرات الاستخباراتية لمواجهة قوات النظام لا بل ان هذا الامر تعدى ما يمكن تخيله حيث تشير اخر الاحصائيات ان نسبة الأجانب من مجموع المسلحين تعدت الغالبية بل الغالبية الساحقة من المرتزقة الذين أتوا الى ادلب.
أضف الى ان كل ما يقوم به اردوغان هو محاولة جديدة للضغط على النظام السوري لتطبيع العلاقات معه بعد فشل هذا الامر في الأشهر الماضية، حيث كان الأسد واضحاً ان لا تفاهم مع الجانب التركي الا بعد انسحاب اخر جندي تركي من الأراضي السورية.
الوطنية الأليفة
هذه هي الوطنية التي تتمثل بجماعات المعارضة السورية المتكونة من هيئة تحرير الشام (داعش الجديد)، او الجيش الحر او قوات سورية الديمقراطية.
فمن جهة هذه الجماعات الى حد ما وطنية، ولكن وطنيتها هي التي ترضي الاستعمار لا وبل تنصاع له وتهابه وترتضي به وتقول ان هذا قضاء الله وقدره وليس لنا ناقة ولا جمل ازاءه، ومن جهة أخرى هنا الاستعمار يستفيد من نقطة مهمة وهي تفرقة المفرق وتجزئة المجزئ والبيئة في سورية حالياً خصبة لتعزيز هذا المفهوم من خلال الجماعات الإسلامية الإرهابية من جهة والجماعات الكردية من جهة أخرى وما يأتي بينهم من جماعات وسطية.
وفي حقيقة الامر هؤلاء كلهم صنيعة الاستعمار والحقيقة المرة ايضاً ان هذه الجماعات المسلحة والتي تسمي نفسها معارضة ليس لها قاعدة شعبية ولا تمثل رأي الشارع، فها هم مواطنو ادلب ينددون بممارسات الجولاني لا وبل يطالبونه بالخروج.
روسيا وإيران لاعبان اساسيان
الدور الروسي الإيراني هو العامل الحاسم وهو الحليف الوثيق للنظام السوري، الأسد أجرى مباحثات مع الطرفين في الأيام الماضية، دعم الحلفاء هو ليس موضع شك، ولكن السؤال هنا ما مدى قدرة الحليف على تقديم هذا الدعم.
الوضع في ايران يدور بين تيارين احدهما يرى مصالح كبيرة بالتقرب من الغرب لإنجاز الملف النووي الذي يعتبر أولوية إيرانية و التيار الاخر يرى ان دعم المقاومة شيء أساسي ولا يمكن التراجع عنه, هذان التياران مهمان و يملكان أدوات مؤثرة داخل ايران, ولا نستطيع ان نتجاهل ايضاً ان الأوضاع التي تمر بها ايران في الفترة الأخيرة من خلال اضعاف أنصارها المقاومين في المنطقة ليس بالأمر السهل, فالخامنائي و الحرس الثوري الان امام مهمة كبيرة لإعادة هيكلة حزب الله وجعله اقوى مما كان عليه قبل الحرب و ايضاً امام مهمة اصعب وهي تثبيت النظام في سورية وهو العنصر الأساسي لدعم المقاومين بالأسلحة خلال العقود الماضية.
اما روسيا فهي الان امام خطر وجودي يدور حولها بعد التصعيد الذي قام به زيلنسكي وفق أوامر بايدن اتجاه الأراضي الروسية، مما استدعى بوتين الى تصعيد الخطاب السياسي وتعديل العقيدة النووية لدى روسيا مما يمكنها من ضرب أي جهة غربية تدعم نظام كييف بالأسلحة الهادفة لضرب الأراضي الروسية.
لذلك يجب تقييم مدى قدرة روسية في الوقت الحالي على التورط في حرب جديدة وهي لم تغلق ملف المعسكر الاوكراني بعد.
في الختام يبدو ان المرحلة القادمة تحتوي على صعوبات كبيرة وتحديات أكبر، لا شك ان طوفان الأقصى كان نقطة مفصلية لجميع الأطراف، ويجب على المقاومة استعادة عافيتها في هذه الحرب غير المتكافئة ضد الكيان الصهيوني امريكي المدعوم من جميع الدول الغربية بلا استثناء ويجب على روسيا ان تعجب بأنهاء الملف الاوكراني لربما ان قدوم ترامب قد يسرع في اغلاق هذا الملف، وبرأيي ان كل هذه المفصليات تضع المحور الشرقي اليوم امام خيارين وهما
" نكون او لا نكون".