مناقشات البيان الوزاري: نصوص نيابية مزخرفة بلا مضمون

نبض البلد - احمد الضرابعة


بانطلاق الجلسات النيابية لمناقشة البيان الوزاري، بدأت تتضح كفاءة كل نائب في أداء دوره، إذ تكشف كل كلمة نيابية، بمضمونها وأسلوب صياغتها عن مدى إتقان من يُلقيها في انتقاء القضايا ذات الأولوية، ونجاحه في طرحها. وبعد الاستماع لكلمات نواب عدة، حزبيين ومستقلين، إليكم هذه الملاحظات

رغم أن مجلس النواب، لا يزال في بداية عمره الدستوري، ولم يكتسب أعضاءه الجدد أي خبرة بعد، إلّا أنه كان من الأجدى أن يطّلع هؤلاء على التجارب النيابية السابقة، لكي لا يسهموا في إعادة إنتاجها، في ظل مرحلة سياسية عنوانها (التحديث)، فمع مضي يومين على بدء مناقشات البيان الوزاري، أظهر نواب كثيرون افتقادهم للقدرة على إلقاء كلمات ناضجة، ذات عمق سياسي أو اقتصادي، والأمر هنا لا يتعلق بالقدرات الكتابية والتعبير الشفوي، بل بضعف القدرة على تشخيص التحديات واقتراح الحلول لمعالجتها، وغياب الرؤية السياسية الحقيقية في تناول القضايا المحورية، والجهل في أدبيات العمل البرلماني، والاستخفاف بحق الكلام تحت القبة. كما أن جملة من الممارسات الخاطئة، ما زالت موجودة لدى بعض النواب، مثل التغيب عن الجلسات، والانشغال بالهواتف، والتدخين تحت القبة، والأحاديث الجانبية، وغيرها من مخالفات النظام الداخلي التي تؤثر على سير العمل البرلماني، وتعيد إلى الأذهان تجربة المجالس النيابية السابقة، التي تهشّمت صورتها لدى الرأي العام، وفقدت ثقة المواطنين بها

ومن أبرز المفارقات في كلمات بعض النواب، والتناقضات الصريحة في مواقفهم، أن تجد نائباً ثرياً يدعو للتقشف، فيما تُقلّل نائبة تتحدث باسم (الشباب) من التحديات التي يواجهونها. ونائب آخر، يركز في كلمته على ضرورة منح لقب "معالي" لرئيس مجلس النواب، وكأنه لم يعد هناك قضايا ذات أولوية!

إن الكلمة التي يُلقيها النائب تحت القبة، هي مقياس حقيقي لعمق أو ضحالة ثقافته السياسية والقانونية والاقتصادية، وتعبيرٌ عن مدى إدراكه أهمية دوره، وجدّيته في القيام به. كما أن الدقائق المحدودة التي تُمنح للنائب لإلقاء كلمته، يجب أن يستغلّها بشكل أمثل، بانتقاء أهم المواضيع والقضايا، والابتعاد عن الحشو والمقدّمات المكررة، واستبدالها بما يستحق التكلم فيه. وعلى النائب أن يعي أنه ليس في مسابقة "أجمل نص أدبي" مع زملاءه، فلا الجناس والطباق أو النثر والشعر والبلاغة تحت القبة يضيف شيئا إلى رصيده، طالما أن كلمته تخلو من أي مضمون يرتقي لمستوى الطموح الوطني، وهي بذلك لا تُساوي ثمن الحبر الذي تُكتب به!