أحمد الضرابعة يكتب : عملية الرابية.. فردية أم منظمة ؟

نبض البلد - أحمد الضرابعة

منذ بدء الحرب على غزة، لم تتوقف محاولات إثارة الفوضى والقلاقل في الأردن، التي تنفذها جهات وجماعات مكشوفة، عبر مثلث الإعلام التعبوي، وسياسة التحشيد والتوجيه، وعسكرة المناخ الوطني، في سبيل كسر المحظورات الأمنية، وتحويل البلاد إلى ساحة حرب مثل الساحات السبع الأخرى التي تُهيمن فيها الميليشيات المسلّحة على مراكز صنع القرار. وفي إطار هذه المحاولات، استيقظ الأردنيون فجر امس على خبر يفيد بإصابة ثلاثة من رجال الأمن العام في حي الرابية، بعد أن فتح إرهابيٌ مسلح النار عليهم، لتجري على إثر ذلك مطاردته من قبل الأجهزة الأمنية وينتهي به المطاف قتيلاً. وإلى جانب هذا الحدث، أعلنت القوات المسلحة مقتل متسلل والقبض على سبعة آخرين، بعد إحباط ثلاثة عمليات للتسلل على الواجهات الحدودية.

لم تنتهِ التحقيقات بشأن عمليات اليوم بعد، إلا أن هناك مؤشرات تدل على أنها قد تكون منظمة، فالتزامن فيما بينها يعزز ذلك، إلى جانب استهداف الإرهابي المقتول رجال الأمن في محيط السفارة الإسرائيلية، وليس في أي مكان آخر، ويجب الاعتراف هنا أن بعض القوى السياسية المحلية والإقليمية تعمل على تشويه صورة المؤسسة الأمنية الأردنية من خلال حملاتها الإعلامية المتواصلة، والتي كان عمودها الفقري إظهار الأردن وكأنه يتواطأ مع إسرائيل في عدوانها المستمر على الفلسطينيين، ولطالما تعرّض رجال الأمن لاتهامات من محتجين ومتظاهرين من هذا القبيل، وقد يكون هذا من أبرز الدوافع لدى الجاني عندما أقدم على تنفيذ عمليّته فجر اليوم

على مدى أكثر من عام، واجهت الأردن العديد من الحوادث والتهديدات الأمنية، بما في ذلك محاولات التسلل عبر الحدود من داخل وخارج البلاد، ومع ذلك، نجحت الأردن في تطوير قدراتها على التعامل مع هذه التحديات بفعالية. ولكن في عملية الرابية التي وقعت امس، برزَ تهديد أمني جديد هو الأكثر خطورة، يتمثل في رفع السلاح بوجه الدولة، ولم يكن هذا ليحدث لولا تشكُّل بنية سياسية - إعلامية - اجتماعية سمتها العامة التناقض مع اتجاهات الدولة الأردنية، ورفض تعريفها للمصالح الوطنية، وتُشجّع على مخالفة القيم والثوابت التي تحظى بإجماع وطني واسع

رغم ضرورة مواجهة هذا التهديد بقوة وحزم، إلا أن هناك حاجة ماسة لمعالجة جذوره وضمان عدم توسّعه، وهذا يكون من خلال قيام الدولة بمحاصرة الأفكار التي تمررها الجماعات المشبوهة للرأي العام الأردني، وإعادة بناءه بما يخدم مصالحها، وتوفير أجهزة إعلامية قوية تتصدى لكل الدعايات السياسية والإعلامية المضادة ومحاولات قلب المفاهيم والحقائق، والاستثمار في بناء الإنسان الأردني الوطني الواعي، المؤمن بدولته، قيادةً ومؤسسات؛ لأن الجغرافيا السياسية للأردن، منذ تأسيسه عام 1921، فرضت عليه مواجهة التحديات والتهديدات المختلفة، وسيبقى هذا مستمراً في ظل سيادة اللا استقرار في الشرق الأوسط، وهذا يتطلب توفير الأدوات الكافية للتعامل مع أي تحدٍ أو تهديد ينشأ في المستقبل