ارتفاع نسبة الطلاق خلال "كورونا".. أسباب وتداعيات

نبض البلد -
احتلال الأردن المرتبة 58 عالميًا بمعدلات الطلاق في 2023 يعكس واقعًا اجتماعيًا يستحق الوقوف عنده


د. الخضور: التغيرات الحياتية والاقتصادية لها تأثير كبير في ارتفاع معدلات الطلاق
المحامي معمر: "كورونا" زادت من حالات الطلاق بشكل ملحوظ

الأنباط – جاد جادالله

"بدأت أشعر أنني لا أستطيع مجاراة الحياة الطبيعية، وأصبح زوجي غير قادر على التعامل معي، حتى وصلنا إلى الطلاق. وبعد انتهاء الجائحة، حاولت التواصل معه للعودة إلى حياتنا الطبيعية، لكنه رفض تمامًا، قائلاً إنه لا يريد العودة إلى تلك النسخة الغاضبة مني." هذا ما قالته بيان عن تجربتها الزوجية المريرة خلال الجائحة التي انتهت بالطلاق.
تقول بيان: "كنت من الذين يتمتعون بالحيوية والطاقة الإيجابية قبل الجائحة، ولكن قرار الإغلاق المنزلي أثّر بشكل كبير على حالتي النفسية". وجدت بيان نفسها محبوسة في منزلها دون القدرة على الخروج، ما أدى إلى تصاعد الغضب والشحن الداخلي لديها، وهو ما أثّر على علاقتها بزوجها، كما تقول.
لم تكن تجربة سجى مختلفة في النتيجة، ولو اختلفت التفاصيل التي ترويها واصفة حياتها الزوجية السابقة بالمثالية، وكما تقول: "تحولت إلى جحيم لا ينتهي بسبب التداعيات الاقتصادية للجائحة"، إذ تم تقليص راتب زوجها إلى النصف رغم القرارات الحكومية التي فرضت دفع الرواتب العمالية بالكامل، ما أدى إلى خلافات حادة بينهما.
وتصف تفاصيل ما حدث بقولها: "عندما كنت أطلب أي شيء كأي زوجة، كانت تتحول حياتنا إلى صراخ وضجيج، حتى وصلت الأمور إلى نقطة لا تُحتمل، فطلبت الطلاق". الضغط النفسي والتوتر الذي عاشته هي وطفلاها دفعها للابتعاد وطلب الطلاق.
تشير الأرقام الصادرة عن المجلس الأعلى للسكان إلى أن الأردن شهد معدلات طلاق غير مستقرة على مدار ثماني سنوات (2015-2022)، حيث تم تسجيل 585,429 حالة زواج خلال هذه الفترة، بمعدل سنوي بلغ 73,179 حالة زواج، فيما بلغت حالات الطلاق 150,097 حالة، بمعدل سنوي بلغ 18,762 حالة، بزيادة ملحوظة في فترة جائحة كورونا تحديدًا.
تأتي هذه الأرقام في سياق تقرير شامل استعرضه الأمين العام للمجلس لعام (2020-2024) مشيرًا إلى أن نسبة حالات الزواج مقابل حالات الطلاق تبلغ حوالي 4 زيجات مقابل حالة طلاق واحدة بعد الزفاف.
رغم عدم وضوح اتجاه تصاعدي في معدلات الطلاق الخام خلال الفترة المذكورة، إلا أن التذبذب في المعدلات كان واضحًا، حيث بلغ أدنى معدل 1.53 لكل ألف نسمة، وأعلى معدل 1.97 حالة طلاق لكل ألف نسمة في عام 2021.
ووفقًا للإحصاءات العالمية، احتل الأردن المرتبة 58 عالميًا في معدلات الطلاق عام 2023، وهو ما يعكس واقعًا اجتماعيًا يستحق الوقوف عنده.
من المهم الإشارة إلى أن نحو 28% من حالات الطلاق المسجلة في المحاكم الشرعية خلال السنوات الثماني الماضية كانت قبل الدخول أو الزفاف، ما يعني أن هذه الزيجات لم تشهد تأسيس أسر جديدة فعليًا، وهذا الأمر يقلل من التأثيرات السلبية للطلاق على الأطفال، حيث لم يحدث دخول فعلي، وهو ما يعزز أيضًا من فرص إعادة زواج النساء اللواتي تم الطلاق لهن قبل الزفاف.

"كورونا" وتأثيراتها على الحياة الزوجية

وفي هذا السياق، يرى الخبير التربوي والنفسي الدكتور علي الخضور أن الجائحة لم تكن العامل الوحيد وراء ارتفاع معدلات الطلاق في الأردن، مشيرًا إلى أن التغيرات الحياتية والاقتصادية كانت لها تأثير كبير.
ويقول: "الزواج والطلاق ظاهرتان مقسومتان بين حقبتين؛ في الماضي كان الزواج يتم في سن مبكرة، لكن مع مرور الوقت تأخر سن الزواج لدى الشباب والفتيات، ما أدى إلى زيادة التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشباب اليوم".
وأضاف أن الجائحة فاقمت من هذه التحديات، خاصة في ظل الحظر المنزلي وتقليص الرواتب، ما زاد من الضغط على العلاقات الزوجية، مشيرًا إلى أن تأخير فترة الخطبة بسبب الظروف الاقتصادية يعد أيضًا من العوامل التي ساعدت في زيادة حالات الطلاق.

تدفق طلبات الطلاق لدى المحاكم

ومن الناحية القانونية، أكد الخبير القانوني المحامي رفعت معمر أن جائحة كورونا زادت من حالات الطلاق بشكل ملحوظ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وتدخل الأزواج في شؤون المنزل. وأشار إلى أنه بعد رفع الحظر في مايو 2020، شهدت المحاكم تدفقًا كبيرًا من النساء اللاتي تقدمن بطلبات الطلاق بسبب تفاقم الخلافات الزوجية خلال جائحة كورونا.
ويروي معمر قصة إحدى الزوجات التي اشتكت من تدخل زوجها في شؤون المطبخ، محاولاً الطهي بنفسه، ما أدى إلى إلحاق أضرار بالمطبخ وأثاثه، وهو ما شكل ضغطًا كبيرًا على الزوجة وصل بها إلى طلب الطلاق. هذه القصة تعكس كيف أن الضغوط اليومية التي سببها الحظر المنزلي قادت إلى تفاقم التوتر بين الأزواج، حتى في الأمور البسيطة.

الجدير بالذكر أن الإحصاءات تشير إلى أن الطلاق في الأردن ظاهرة متشابكة تتداخل فيها عدة عوامل، من بينها التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الظروف الاستثنائية مثل جائحة كورونا. وعلى الرغم من أن معدلات الطلاق لم تشهد ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أن الجائحة كشفت عن هشاشة بعض العلاقات الزوجية التي لم تتمكن من الصمود أمام التحديات المفروضة. بات الأمر يتطلب المزيد من الجهود المجتمعية والتوعوية للتصدي لهذه الظاهرة، مع التركيز على تقديم الدعم النفسي والاقتصادي للأسر لمواجهة التحديات المستقبلية.

هذه المادة أُنتجت ضمن مشروع "متحدون في مواجهة العنف ضد النساء والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا" الممول من صندوق الأمم المتحدة الاستئماني، والمنفذ من قبل شبكة الإعلام المجتمعي بالتعاون مع موقع عمان نت.