نبض البلد - التلوث الضوضائي وتلوث الهواء الناجم عن مركبات النقل العام في الأردن
د. أيوب أبودية
يعتبر التلوث الضوضائي وتلوث الهواء من القضايا البيئية الخطيرة التي تواجهها الدول النامية بشكل متزايد. وتلعب مركبات النقل العام، التي تعمل غالبًا على وقود الديزل، دورًا كبيرًا في تفاقم هذه المشكلات. اذ يُعد الديزل من الوقود الأحفوري الذي ينتج عنه انبعاثات ضارة ومرتفعة من الملوثات عند احتراقه.
في هذا المقالة، سنناقش التأثيرات البيئية والصحية للتلوث الضوضائي وتلوث الهواء الناتج عن مركبات النقل العام التي تعمل بالديزل في الدول النامية، بالإضافة إلى الحلول الممكنة لهذه القضايا.
يُعرّف التلوث الضوضائي بأنه الضجيج غير المرغوب فيه أو المفرط الذي يؤثر سلبًا على جودة الحياة البشرية، ويقاس بالديسبل. في الدول النامية، يتسم النقل العام، بما في ذلك الحافلات والشاحنات، بمستويات عالية من الضوضاء بسبب قدم المركبات، وسوء صيانتها، والتجمعات الحضرية الكثيفة كما هي الحال في عمان. هذه المركبات غالبًا ما تعمل على محركات الديزل، التي تُنتج مستويات ضوضاء عالية بالمقارنة مع المركبات التي تعمل بالبنزين أو الكهرباء. وكم كنا نأمل أن الباص السريع كان سريعا ونظيفا وصامتا معا، لكن الرياح لا تأتي كما تشته السفن!
التعرض الطويل للتلوث الضوضائي له تأثيرات سلبية كبيرة على الصحة العامة. تشير الدراسات إلى أن الضوضاء المستمرة من المركبات يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية تشمل التوتر النفسي، واضطرابات النوم، وفقدان السمع المؤقت أو الدائم، وزيادة في مستويات التوتر، والتي بدورها قد تساهم في ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. علاوة على ذلك، تؤثر الضوضاء العالية على تركيز الطلبة في المدارس وعلى إنتاجية العمال في أماكن العمل القريبة من الطرق المزدحمة.
هناك عدة عوامل تساهم في ارتفاع مستويات الضوضاء الناتجة عن مركبات النقل العام في الدول النامية. منها سوء البنية التحتية للطرق، التي تؤدي إلى اهتزاز المركبات وإنتاج مزيد من الضوضاء، وأيضًا الافتقار إلى صيانة المحركات والمركبات بشكل دوري. بالإضافة إلى ذلك، تسهم الثقافة المرورية غير المنظمة، مثل استخدام الأبواق بشكل مستمر للتواصل بين السائقين، والمشاة، في زيادة مستويات الضجيج في المدن. ومن منا لا يعرف عن ازعاج ثقافة الابواق في المدن الأردنية، والتي تهملها الجهات الرقابية من دون سبب وجيه!
وتنتج مركبات النقل العام التي تعمل بالديزل مستويات عالية من تلوث الهواء، وخاصة في الدول النامية حيث لا تكون معايير انبعاثات المركبات صارمة كما هو الحال في الدول المتقدمة. يعتبر الديزل وقودًا غنيًا بالكربون والكبريت ويطلق عند احتراقه جزيئات دقيقة وأكاسيد النيتروجين والكبريت وثاني أكسيد الكربون وغيرها، وكلها لها تأثيرات سلبية على البيئة والصحة العامة.
تساهم الانبعاثات من مركبات الديزل في تغير المناخ من خلال زيادة تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. فثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين من بين المساهمين الرئيسيين في الاحتباس الحراري. بالإضافة إلى ذلك، الجزيئات الدقيقة الملوثة الناتجة عن احتراق الديزل قد تستقر في الهواء أو على الأسطح، مما يؤدي إلى تدهور جودة الهواء وانخفاض مستوى الرؤية في المدن وتفكك الخرسانة وتلون حجارة البناء.
أظهرت الدراسات أن استنشاق الهواء الملوث بالجزيئات الدقيقة الصادرة من محركات الديزل يساهم في مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعاب الهوائية. والتعرض المزمن لهذه الملوثات قد يؤدي أيضًا إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة، بما في ذلك السرطان. الأطفال وكبار السن والذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة هم الأكثر عرضة لهذه الآثار السلبية.
وهناك عدة أسباب تجعل مركبات النقل العام التي تعمل بالديزل تمثل مشكلة أكبر في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة. أحد الأسباب الرئيسية هو قِدم الأسطول الذي يعتمد عليه النقل العام، حيث تفتقر العديد من الدول النامية إلى التمويل اللازم لتحديث مركباتها. كما أن معايير الانبعاثات في العديد من هذه الدول غالبًا ما تكون قديمة أو غير مطبقة بشكل صارم، مما يسمح للمركبات الملوثة بالاستمرار في العمل دون عوائق تذكر. كما يُسهم الازدحام المروري الشديد في زيادة مدة تشغيل المركبات وبالتالي زيادة انبعاثاتها.
لحل مشكلتي التلوث الضوضائي وتلوث الهواء الناتجتين عن مركبات النقل العام التي تعمل بالديزل في الدول النامية، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتكاملة التي تتطلب تنسيقًا بين الحكومات، والمجتمع المدني، والشركات الخاصة. فمن أكثر الحلول فعالية هو التحول إلى مركبات النقل العام التي تعمل بالطاقة النظيفة، مثل الكهرباء. تُعد المركبات الكهربائية أكثر هدوءًا وأقل تلوثًا، مما يساهم في تقليل التلوث الضوضائي وتلوث الهواء بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الهجين التي تجمع بين الكهرباء والوقود التقليدي كخطوة انتقالية نحو النقل الكهربائي الكامل.
كذلك، تحسين البنية التحتية للطرق يمكن أن يقلل من مستويات الضوضاء المنبعثة من المركبات. الطرق الجيدة والزفت الناعمة تساعد في تقليل الاهتزازات وضمان سلاسة حركة المركبات، مما يقلل من الضوضاء الناتجة عن احتكاك الإطارات. كما أن تحسين تنظيم المرور، بما في ذلك الحد من استخدام الأبواق، يمكن أن يساهم في تقليل التلوث الضوضائي.
والصيانة الدورية لمركبات النقل العام تعد من الوسائل المهمة لتقليل التلوث. فالمحركات التي تعمل بكفاءة تستهلك وقودًا أقل وتنتج انبعاثات أقل، وبالتالي تقلل من التأثيرات السلبية على البيئة والصحة. في الدول النامية، يمكن أن تُطبق الحكومات برامج صيانة إلزامية للمركبات العامة، مع فرض عقوبات على المخالفين.
ويجب أن تُرافق هذه الحلول حملات توعية تهدف إلى زيادة وعي الجمهور بالمشكلات البيئية والصحية الناجمة عن تلوث الهواء والضوضاء. ويمكن أن تتضمن هذه الحملات توجيه الناس نحو استخدام وسائل نقل أكثر استدامة مثل الدراجات أو المشي، وزيادة الوعي بأهمية استخدام النقل العام بطرق مستدامة.
وبناء عليه، فإن التلوث الضوضائي وتلوث الهواء الناتجان عن مركبات النقل العام التي تعمل بالديزل في الدول النامية يمثلان تحديًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا. ومع أن هذه المشاكل تتفاقم بسبب قلة الصيانة والافتقار إلى التمويل، إلا أن الحلول موجودة وقابلة للتنفيذ من خلال تبني سياسات تدعم التحول إلى وسائل نقل أنظف وتحسين البنية التحتية، فيمكن للدول النامية تحسين جودة الهواء وتقليل مستويات الضوضاء، مما يؤدي إلى تحسين صحة السكان وجودة حياتهم.