الاستراتيجية في الأردن والقائد"هنيبال"

نبض البلد -

صالح سليم الحموري

خبير التدريب والتطوير

كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية

في عالم اليوم الذي تتزايد فيه التعقيدات والتحديات الاقتصادية والسياسية، يصبح استغلال نقاط القوة الوطنية عنصرًا حاسمًا لتحقيق النجاح والتقدم. الأردن، رغم صغر مساحته كدولة مقارنة بجيرانه، إلا أنه يمتلك إرثًا حضاريًا وثقافيًا عريقًا وإمكانات كبيرة. ومع ذلك، فإن موقعه الجغرافي، تحدياته الاقتصادية، والظروف الإقليمية المحيطة به تضعه أمام تحديات تتطلب استراتيجيات ذكية ومرنة لتحقيق أقصى استفادة من إمكانياته والتغلب على التحديات الراهنة.

لفهم أهمية تبني نهج استراتيجي ذكي للأردن، يمكننا الاستفادة من دروس التاريخ، وبالتحديد من الصراع الشهير بين "الفيلة والخيول" خلال الحروب "البونية". تلك الحروب التي شهدتها الإمبراطورية الرومانية وإفريقيا الشمالية تمثل مثالاً واضحًا على "الذكاء الاستراتيجي" في توظيف الموارد المتاحة، وتحديداً استراتيجيات القائد القرطاجي هنيبال.

في الحرب البونية الثانية (218-201 ق.م)، التي دارت بين روما وقرطاج، تميزت بمعارك غير متكافئة بين القوى العظمى آنذاك. قائد القرطاجيين، "هنيبال"، واجه جيشًا رومانيًا ضخمًا ومجهزًا بالعدد والعتاد، لكنه استخدم موردًا غير تقليدي وهو "الفيلة" لتعويض الفجوة في القوة. تلك الفيلة الضخمة قدمت له ميزة هائلة في المعركة ضد الخيالة الرومانية، حيث كانت تشكل قوة هائلة لا تستطيع الخيول مواجهتها بسهولة.

لكن ما يميز هذه المعركة لم يكن فقط في استخدام الفيلة، بل في كيفية توظيف هنيبال للموارد المتاحة بشكل غير تقليدي لتجاوز نقاط ضعفه العسكرية وتحقيق التفوق في مواقف تبدو غير متكافئة.

في السياق الحديث، يمكن مقارنة وضع الأردن بوضع "هنيبال" الذي كان في مواجهة تحديات ضخمة تتطلب تفكيرًا مبتكرًا واستراتيجية ذكية. فالأردن لا يملك الموارد الاقتصادية الضخمة التي تملكها بعض الدول المجاورة، ولكنه يتمتع بمزايا فريدة يمكن توظيفها بذكاء لتحقيق التفوق. فكما استخدم هنيبال الفيلة في معاركه كعنصر غير تقليدي، يمكن للأردن أن يعتمد على عناصره الخاصة مثل موقعه الاستراتيجي، استقراره الأمني، موارده البشرية المتميزة، وتفوقه في مجالات مثل التعليم والسياحة.

الأردن يواجه تحديات عديدة تتطلب منه تبني استراتيجيات "رشيقة ومرنة" وقادرة على التكيف مع المستجدات واقتناص الفرص التي تلوح في الافق وخصوصا الناتجة عن التقدم التكنولوجي الهائل. ومن أهم الدروس التي يمكن استلهامها من معركة هنيبال هي أهمية استخدام الموارد غير التقليدية واستغلال نقاط القوة المتاحة بطرق مبتكرة. في سياق الأردن، يمكن تلخيص الاستراتيجيات الذكية في النقاط التالية:

1.التوظيف الذكي للموارد البشرية: يتمتع الأردن بشباب متعلم ومؤهل قادر على الابتكار والتفوق في مجالات مختلفة. التركيز على تطوير الكفاءات البشرية يمكن أن يكون العنصر الحاسم في تعزيز الاقتصاد وتحقيق الاستقرار.

2.الاستثمار في التكنولوجيا والتعليم: في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا، يمكن للأردن أن يستثمر في قطاعات التعليم والتكنولوجيا لتحويل التحديات إلى فرص. الابتكار في هذا المجال قد يكون العنصر غير التقليدي الذي يضع الأردن في مقدمة الدول المتقدمة تكنولوجياً في المنطقة.

3.الاستفادة من الموقع الجغرافي: الأردن يحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا، وهو جسر بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. يمكنه أن يلعب دورًا محوريًا في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والتجارة، مما يجعله مركزًا إقليميًا للتجارة والاستثمار.

4.السياحة الدينية والتاريخية: كما كانت الفيلة سلاح هنيبال غير التقليدي، يمكن للأردن أن يستخدم موارده التاريخية والدينية، مثل البتراء والمغطس، لجذب السياح من جميع أنحاء العالم وتحقيق نمو اقتصادي من خلال قطاع السياحة.

5.التحالفات الإقليمية والدولية: على غرار استغلال هنيبال للموارد العسكرية المتاحة بذكاء، يمكن للأردن أن يعزز علاقاته الإقليمية والدولية من خلال الدبلوماسية الذكية والتحالفات الاستراتيجية لتعزيز موقعه السياسي والاقتصادي.

ما يميز "الاستراتيجية الناجحة" ليس فقط القوة أو العدد، بل "الذكاء" في توظيف الإمكانيات المتاحة بطريقة غير تقليدية ومرنة. كما استطاع هنيبال تحقيق النجاح من خلال استخدامه للفيلة بطريقة استراتيجية مبتكرة ورشيقة، يمكن للأردن أن يحقق تقدمًا كبيرًا إذا تبنى استراتيجيات تستند إلى نقاط قوته الحقيقية، مع التركيز على الابتكار والتفكير خارج الصندوق.

في نهاية المطاف، النجاح في الاستراتيجيات الوطنية لا يأتي من امتلاك الموارد الضخمة فحسب، بل من القدرة على توظيف هذه الموارد بطريقة ذكية ورشيقة، وهذا هو الدرس الذي يمكن أن نتعلمه من تاريخ الصراع بين الفيلة والخيول.