نحو قياس يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي

نبض البلد -

صالح سليم الحموري

خبير التدريب والتطوير

كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية

في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجيا الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، بات من الواضح أن الاعتماد على الناتج المحلي الإجمالي (GDP) كمؤشر رئيسي لقياس التقدم لم يعد كافياً. تقرير "مستقبل التقدم"، الذي نشرته مؤسسة المستقبل بدبي، حديثاً، يسلط الضوء على هذه الإشكالية، مشيراً إلى ضرورة تطوير مقاييس جديدة تأخذ بعين الاعتبار الرفاهية البشرية والتنمية المستدامة، بما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي التقليدي.

الناتج المحلي الإجمالي، رغم أهميته في قياس النمو الاقتصادي، يواجه انتقادات متزايدة لعدم قدرته على عكس كافة جوانب التقدم. يشير التقرير إلى أن التركيز على الناتج المحلي الإجمالي يغفل عن الكثير من العوامل التي تهم المجتمعات اليوم، مثل "جودة الحياة"، "الرفاهية الاجتماعية"، و"الاستدامة البيئية". العالم اليوم يتطلب معايير جديدة تركز على "رفاهية الإنسان والكوكب"، وهو ما يدعو إليه التقرير.

يبرز التقرير العديد من القيود المرتبطة باستخدام الناتج المحلي الإجمالي كأداة وحيدة لقياس التقدم. من بين هذه القيود، إهمال الناتج المحلي الإجمالي للتحديات البيئية والتكنولوجية والاجتماعية، مثل "تغير المناخ"، "الابتكار التكنولوجي"، و"الفوارق الاجتماعية". وفي ظل هذه القيود، يدعو التقرير إلى إعادة النظر في هذه المؤشرات لتكون أكثر شمولية وملائمة للعصر الحديث.

يشير التقرير إلى أن الجهود المبذولة لتجاوز الناتج المحلي الإجمالي ليست جديدة، بل بدأت منذ عقود. أحد الأمثلة البارزة هو تقرير "ستيجليتز–سين–فيتوسي"، الذي صدر في العام 2009 وطرح تساؤلات حول مدى دقة الناتج المحلي الإجمالي في عكس التقدم الاجتماعي والاقتصادي. هذه النقاشات حول القياسات البديلة كانت جزءاً من الحوارات العالمية منذ ذلك الحين، وتستمر حتى اليوم مع تعزيز الدعوات لابتكار مؤشرات جديدة.

يلفت التقرير الانتباه إلى عدد من المبادرات التي تم تبنيها حول العالم لتطوير مؤشرات جديدة تقيس رفاهية الإنسان بشكل أفضل. على سبيل المثال، تبنت بلدان مثل مملكة بوتان (من اسعد الشعوب بالعالم) وكندا ومدن مثل فانكوفر مؤشرات جديدة مثل "مؤشر الثروة الشاملة" (IWI) و"مؤشر الرفاه الاجتماعي"، التي تهدف إلى تقديم صورة أكثر دقة وشمولية عن التقدم الاقتصادي والاجتماعي.

رغم التوجه المتزايد نحو قياس يتجاوز "الناتج المحلي الإجمالي"، إلا أن هناك حواجز رئيسية تعرقل هذا الانتقال. تشمل هذه الحواجز النقاشات الفلسفية حول مفهوم "النمو الاقتصادي" نفسه، بالإضافة إلى تحديد دور الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل، وما إذا كان سيتم استبداله أو تحسينه. كما أن التحديات المتعلقة بعملية القياس، مثل تحديد مؤشرات موحدة توازن بين احتياجات الدول المختلفة، تعيق التقدم في هذا المجال.

في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، هناك حاجة ملحة لتطوير مقاييس ومعايير جديدة تعكس تعقيدات الاقتصاد الحديث، وتراعي الاستدامة وتحمل المسؤولية المجتمعية والرفاهية بجانب الأداء الاقتصادي التقليدي.