لا أدري حقا ما الذي يفكر فيه متخذ القرار حين يتخذ قراره ، ومرة أخرى يصطدم المواطن مع جملة من القرارات التي لا يستطيع إستيعابها فضلا عن التعاطي معها ، وهكذا يبدو الأمر وكأن إحباطا يصب فوق إحباط ، ولا مخرج هناك في الأفق .
الوضع الإقتصادي الذي يعاني منه المواطن سببه معلوم ، ولقد تعرض الإقتصاد في مراحل مختلفة لضربات قوية ، ولكننا والحمدلله نتمتع بمواطن قادر على التعافي سريعا ، وبقطاعات اقتصادية قادرة على أمتصاص هذه الصدمات والصمود ، ولكن يبدو أن الأمر يتجه ليصبح أكبر من المعتاد ، أنا لست سلبيا بطبعي واكره السلبية ، ولكن عند حد معين يجب ان تشعر بالخطورة .
الحركة الإقتصادية عجلة ، وهذه العجلة تعتمد على محيطها ، ولا بد أن يكون هذا المحيط سليما وصحيا وقادرا على الإستمرار ، وما يحدث اليوم أن المواطن ينفق على التعليم ثم لا يحصل على نتيجة ، يفتح هذا المشروع ثم يفشل ، يتجه إلى قطاع أخر ويفشل ، والبعض يقع من الضربة الأولى فليس كل مستثمر لديه تلك الخميرة التي تبقيه صامدا ، وهذا التعثر تعدد وتنوع وقد كان في الماضي يصيب قطاع معين ، ثم يجد أصحاب هذا القطاع طريقة للخروج من المأزق ، لكن اليوم الأمور تتعقد في كثير من المجالات .
لا بد من حركة في الاتجاه الأخر ، نعم أدرك تماما مأزق الحكومة ، فهي تسعى لخلق توازن بين نفقاتها وايراداتها بكل السبل المتاحة مع هذه المديونية الضخمة التي تحاول التعامل معها ، وهناك ضعف كبير في مشاريع رأسمالية استثمارية قادرة على التخفيف من هذه الحالة ، وهناك تباطىء كبير في الأقتصاد العالمي وحربين طاحنتين تضغطان على الوضع التجاري والإقتصادي والسياحي العالمي .
والحكومة تتحرك ضمن الأسس التي كانت تعتمدها سابقا ، وهذه لن تخلق حلولا للأزمة ، ولكن هذا الحال خلق أزمات خانقة في امكان أخرى مثل التعليم الخاص والصحة والتعليم الجامعي وحتى القطاعات التجارية التي تعتمد بشكل مباشر على حركة المواطن والإسكان وغيرهم .
ولم نقف هنا بل دخلت النقابات على الخط وهي أيضا تواجه ازمة ايرادات خانقة وتحاول حل مشكلتها المالية عن طريق ايجاد دخل من قطاعات ليس لها اتصال او علاقة مباشرة بها .
مثلا مشكلة نقابة الأسنان مع المدارس الخاصة شيء غير متوقع نهائيا أن تحصل مشكلة تحصيل بين قطاعين ليس بينهما ارتباط مباشر إلا عن طريق طبيب ، و هناك عقود مع طبيب تعاقدت معه المدرسة مباشرة وهو صفة وذات مستقل واعتبارية ويبدو ان هذا الوضع مرجح للزيادة .
حيث تشعبت هذه النقابات في قضايا مثل التقاعد والتأمين والسكن خارج نطاقها المهني ادخلها في المربع الحرج ، ونحن هنا لا نكشف أسرارا ولا نحلل بل ننقل واقعا ، ازمة الحكومة وازمة النقابات خلقت ازمات متعددة ، فهناك ضغط كبير يمارس على قطاعات هي بالكاد قادرة على الإستمرار في ظل الأوضاع الإقتصادية القائمة .
وقضية حبس المدين أو ايجاد البديل ، ومرة أخرى تعلق الحكومة بين الحكم بالحبس على المواطن ، وهذا يخالف المتطلبات الدولية والحرية المدنية ، ولكنها لم توجد بديل لتلك الفئة التي تختبىء تحت عباءة المتعثرين ، ما جعل قطاعات عريضة تجارية وصحية ومدارس خاصة تواجه مشكلة تحصيل كبيرة ، وبعضها أعلن افلاسه واغلق مصلحته ، فلا بد من أن تسعى الحكومة وكما صرح نقيب المحامين لإيجاد بدائل مناسبة تحمي المواطن من المواطن وهذا دورها ، وتضمن سلسلة واستمرار الحركة الاقتصادية بشكلها الطبيعي ، والتي هي نفسها تعاني من هذه الأزمة التي تتعرض لها هذه القطاعات .
ونعلق في نقطة أخرى لا تقل أهمية وهي قضية حقوقية بإمتياز ، فحق العامل والمواطن يجب أن يكون مصانا ومحفوظا ، ويجب ايجاد الطرق المناسبة لتأمين حياة كريمة لهما ، ولكن هناك دوائر تتقاطع فيها هذه الحقوق ، ويجب النظر إلى الموضوع بكليته واثره على كل القطاعات ، وإلا كانت الخسارة أكبر وعلى الجميع ، ما يحدث اليوم من قيام الضمان والعمل بإلزام المؤسسات وحتى المؤسسات الفردية بإلزامية الإشتراك ، ورفع الحد الأدنى للأجور ، والإشتراطات التي تقوم بها وزارة العمل وهذا حق .
ولكن في المقابل يجب أن تتحرك وزارة الصناعة والتجارة والهيئات التي تمثل القطاعات التجارية والصناعية والزراعية لوضع الأسس التي تضمن استمرار هذه المنشأة وقدرتها على الوفاء بإلتزاماتها العمالية والضمانية والضريبية والبنكية والحياتية ، وإلا اغلقت هذه المنشآت أبوابها ، وهذا ما يحدث الأن .
ونخسر جميعا .